Rss Feed

  1. مكية آياتها ثمان وثمانون
     
    (بسم الله الرحمن الرحيم ص والقرآن ذي الذكر) قال: هو قسم وجوابه (بل الذين كفروا في عزة وشقاق) يعني في كفر وقوله: (كم اهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص) أي ليس هو وقت مفر وقوله: (وعجبوا أن جاء‌هم منذر منهم) قال نزلت بمكة لما أظهر رسول الله صلى الله عليه وآله الدعوة بمكة اجتمعت قريش إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب ان ابن أخيك قد سفه أحلامنا وسب آلهتنا وأفسد شبابنا وفرق جماعتنا فان كان الذي يحمله على ذلك العدم جمعنا له مالا حتى يكون أغنى رجل في قريش ونملكه علينا، فأخبر أبوطالب رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، فقال: لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما أردته، ولكن يعطوني كلمة يملكون بها العرب وتدين لهم بها العجم ويكونون ملوكا في
     
    [229]
     
    الجنة، فقال لهم أبوطالب ذلك فقالوا نعم وعشر كلمات، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله تشهدون أن لا إله إلا الله واني رسول الله، فقالوا: ندع ثلاثمائة وستين إلها ونعبد إلها واحدا فانزل الله تعالى (وعجبوا ان جاء‌هم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا - إلى قوله - إلا اختلاق) أي تخليط (ء‌أنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري - إلى قوله - من الاحزاب) يعني الذين تحزبوا عليه يوم الخندق.
     
    ثم ذكر هلاك الامم وقد كتبنا خبرهم في سورة هود (كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الاوتاد) وقوله: (وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة مالها من فواق) أي لا يفيقون من العذاب وقوله (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب) أي نصيبنا وصكنا من العذاب ثم خاطب الله عزوجل نبيه فقال (اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الايد أنه أواب) أي دعاء (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق) يعني إذا طلعت الشمس (والطير محشورة كل له أواب وشددنا ملكه - إلى قوله - إذ تسوروا المحراب) يعني نزلوا من المحراب (إذ دخلوا على داود ففزع منهم - إلى قوله - وخر راكعا وأناب) حدثني أبي عن ابن ابي عمير عن هشام عن الصادق عليه السلام قال: إن داود عليه السلام لما جعله الله عزوجل خليفة في الارض وأنزل عليه الزبور أوحى الله عزوجل إلى الجبال والطيران يسبحن معه وكان سببه أنه إذا صلى ببني إسرائيل يقوم وزيره بعدما يفرغ من الصلاة فيحمد الله ويسبحه ويكبره ويهلله ثم يمدح الانبياء عليهم السلام نبيا نبيا ويذكر من فضلهم وأفعالهم وشكرهم وعبادتهم لله سبحانه وتعالى والصبر على بلائه ولا يذكر داود، فنادى داود ربه فقال: يا رب قد انعمت على الانبياء بما اثنيت عليهم ولم تثن علي، فأوحى الله عزوجل اليه هؤلاء عباد ابتليتهم فصبروا وأنا اثني عليهم بذلك فقال يا رب فابتلني حتى أصبر، فقال
     
    [230]
     
    يا داود تختار البلاء على العافية اني ابتليت هؤلاء وإنا لم اعلمهم وإنا ابتليك وأعلمك ان بلائي في سنة كذا وشهر كذا وفي يوم كذا، وكان داود عليه السلام يفرغ نفسه لعبادته يوما ويقعد في محرابه يوما ويقعد لبني إسرائيل فيحكم بينهم، فلما كان اليوم الذي وعده الله عزوجل اشتدت عبادته وخلا في محرابه وحجب الناس عن نفسه وهو في محرابه يصلي فاذا طائر قد وقع بين يديه جناحاه من زبد جد أخضر ورجلاه من ياقوت احمر ورأسه ومنقاره من لؤلؤ وزبرجد فاعجبه جدا ونسي ما كان فيه، فقام ليأخذه فطار الطائر فوقع على الحائط بين داود وبين اوريا بن حنان وكان داود قد بعث اوريا في بعث فصعد داود عليه السلام الحائط ليأخذ الطير وإذا امرأة اوريا جالسة تغتسل فلما رأت ظل داود نشرت شعرها وغطت به بدنها، فنظر اليها داود فافتتن بها ورجع إلى محرابه، ونسي ما كان فيه وكتب إلى صاحبه في ذلك البعث لما ان يصيروا إلى موضع كيت وكيت يوضع التابوت بينهم وبين عدوهم، وكان التابوت في بني إسرائيل كما قال الله عزوجل " فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون تحمله الملائكة " وقد كان رفع بعد موسى عليه السلام إلى السماء لما عملت بنو إسرائيل بالمعاصي، فلما غلبهم جالوت وسألوا النبي ان يبعث اليهم ملكا يقاتل في سبيل الله بعث اليهم طالوت وأنزل عليهم التابوت وكان التابوت اذا وضع بين بني إسرائيل وبين اعدائهم ورجع عن التابوت إنسان كفر وقتل ولا يرجع أحد عنه إلا ويقتل.
     
    فكتب داود إلى صاحبه الذي بعثه ان ضع التابوت بينك وبين عدوك وقدم اوريا بن حنان بين يدي التابوت فقدمه وقتل، فلما قتل اوريا دخل عليه الملكان وقعدوا ولم يكن تزوج امرأة اوريا وكانت في عدتها وداود في محرابه يوم عبادته فدخلا عليه الملكان من سقف البيت وقعدا بين يديه ففزع داود منهما فقالا: (لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط
     
    [231]
     
    واهدنا إلى سواء الصراط) ولداود حينئذ تسع وتسعون امرأة ما بين مهيرة إلى جارية، فقال أحدهما لداود: (ان هذا اخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب) اي ظلمنى وقهرني، فقال داود كما حكى الله عزوجل: (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه - إلى قوله - وخر راكعا وأناب) قال: فضحك المستعدى عليه من الملائكة وقال: وقد حكم الرجل على نفسه فقال داود: أتضحك وقد عصيت لقد هممت ان اهشم فاك، قال: فعرجا وقال الملك المستعدى عليه لو علم داود انه احق بهشم فيه مني.
     
    ففهم داود الامر وذكر الخطيئة فبقي اربعين يوما ساجدا يبكي ليله ونهاره ولا يقوم إلا وقت الصلاة حتى انخرق جبينه وسال الدم من عينيه فلما كان بعد اربعين يوما نودي يا داود مالك أجائع انت فنشبعك أم ظمآن فنسقيك أم عريان فنكسوك أم خائف فنؤمنك؟ فقال: اي رب وكيف لا اخاف وقد عملت ما عملت وانت الحكم العدل الذي لا يجوزك ظلم ظالم، فأوحى الله اليه تب يا داود، فقال اي رب وانى لي بالتوبة قال: صر إلى قبر اوريا حتى ابعثه اليك واسأله ان يغفر لك، فان غفر لك غفرت لك قال: يا رب فان لم يفعل؟ قال: أستوهبك منه، قال فخرج داود عليه السلام يمشي على قدميه ويقرأ الزبور وكان اذا قرأ الزبور لا يبقى حجر ولا شجر ولا جبل ولا طائر ولا سبع إلا يجاوبه حتى انتهى إلى جبل وعليه نبي عابد يقال له حزقيل، فلما سمع دوي الجبال وصوت السباع علم انه داود، فقال: هذا النبي الخاطئ فقال داود: يا حزقيل تأذن لي ان اصعد اليك؟ قال: لا فانك مذنب.
     
    فبكى داود عليه السلام فأوحى الله عزوجل إلى حزقيل يا حزقيل لا تعير داود بخطيئته وسلنى العافية، فنزل حزقيل واخذ بيد داود واصعده اليه، فقال له داود: يا حزقيل هل هممت بخطيئة قط؟ قال: لا، قال: فهل دخلك العجب مما
     
    [232]
     
    انت فيه من عبادة الله عزوجل؟ قال: لا قال: فهل ركنت إلى الدنيا فاحببت ان تأخذ من شهواتها ولذاتها؟ قال: بلى ربما عرض ذلك بقلبي قال: فما تصنع؟ قال: ادخل هذا الشعب فاعتبر بما فيه، قال: فدخل داود (ع) الشعب فاذا بسرير من حديد عليه جمجمة بالية وعظام نخرة واذا لوم من حديد وفيه مكتوب فقرأه داود، فاذا فيه: أنا اروى بن سلمة ملكت الف سنة وبنيت الف مدينة، وافتضضت الف جارية وكان آخر امري ان صار التراب فراشي والحجار وسادي والحيات والديدان جيراني فمن رآني فلا يغتر بالدنيا.
     
    ومضى داود حتى اتى قبر اوريا فناداه فلم يجبه ثم ناداه ثانية فلم يجبه ثم ناداه ثالثة فقال اوريا: مالك يا نبي الله لقد شغلتنى عن سروري وقرة عينى قال يا اوريا اغفر لي وهب لي خطيئتي فاوحى الله عزوجل اليه يا داود بين له ما كان منك، فناداه داود فاجابه فقال: يا اوريا فعلت كذا وكذا وكيت وكيت: فقال اوريا: أيفعل الانبياء مثل هذا؟ فناداه فلم يجبه فوقع داود على الارض باكيا فاوحى الله إلى صاحب الفردوس ليكشف عنه فكشف عنه فقال اوريا لمن هذا؟ فقال: لمن غفر لداود خطيئته، فقال: يا رب قد وهبت له خطيئته، فرجع داود (ع) إلى بنى اسرائيل وكان اذا صلى وزيره يحمد الله ويثنى على الانبياء عليهم السلام ثم يقول: كان من فضل بني الله داود قبل الخطيئة كيت وكيت، فاغتم داود (ع) فاوحى الله عزوجل اليه يا داود قد وهبت لك خطيئتك وألزمت عار ذنبك ببنى اسرائيل، قال: يا رب كيف وانت الحكم العدل الذي لا تجور، قال: لانه لم يعاجلوك بالنكيرة وتزوج داود (ع) بامرأة اوريا بعد ذلك فولد له منها سليمان (ع) ثم قال عزوجل: فغفرنا له ذلك وان له عندنا
     
    [233]
     
    لزلفى وحسن مآب(1)
     
    ___________________________________
     
    (1) قال جدي السيد الجزائري (رحمه الله) في قصص الانبياء: إن هذا الحديث محمول على التقية لموافقته مذهب العامة ورواياتهم وعدم منافاته لقواعدهم من جواز مثله على الانبياء.
     
    والاخبار الواردة برده كثيرة من طرقنا فلا مجال لتأويله إلا الحمل على التقية.
     
    فعن (عيون الاخبار) باسناده إلى أبي الصلت الهروي قال: سأل الرضا عليه السلام علي بن محمد بن الجهم فقال ما يقول من قبلكم في داود عليه السلام؟ فقال يقولون إن داود كان في محرابه يصلي إذ تصور له إبليس على صورة طير - إلى آخر الرواية -.
     
    قال: فضرب على جبهته وقال: إنا لله وإنا اليه راجعون لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله على التهاون بصلاته حين خرج في اثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل.
     
    فقال يا بن رسول الله ما كانت خطيئته؟ فقال ويحك ان داود ظن ان ما خلق الله عزوجل خلقا هو أعلم مني، فبعث الله عزوجل اليه الملكين فتسوروا المحراب، فقالا: خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق - إلى قوله - له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة، فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه فقال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه، ولم يسأل المدعي البينة على ذلك، فكان هذا خطيئة داود لا ما ذهبتم اليه ألا تسمع الله عزوجل يقول: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ".
     
    (أقول) ويرد عليه أيضا انه يمتنع من داود ان يخطأ في الحكم، فان الانبياء المعصومين إذا لم يؤمنوا من الخطأ في القضاء فلمن العصمة من بعدهم؟ لاسيما مثل هذا الخطأ الفاحش الذي ارتكبه داود وهو الاستعجال إلى الحكم قبل طلب البينة من المدعى.
     
    (وجوابه) ان قول داود: " لقد ظلمك بسؤال نعجتك...الخ " لعله لم يكن قضاء‌ا وحكما بل انه كان على سبيل إظهار الرأي قبل الحكم وكان بناؤه ان يطالب المدعي البينة من بعد، فحيث ان مثل هذا الكلام المشعر بكونه مائلا إلى أحد الخصمين بدون إقامة الدليل من الجانبين كان مما لا ينبغي لمكان النبوة فعوتب على ذلك واستغفر له.ج ز
     
    [234]
     
    وفي رواية أبي الجارود عن ابي جعفر في قوله (وظن داود) اي علم (وأناب) اي تاب، وذكر ان داود كتب إلى صاحب ان لا تقدم اوريا بين يدي التابوت ورده فقدم اوريا إلى اهله ومكث ثمانية ايام ثم مات.
     
    حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا يحيى بن زكريا اللؤلؤي عن علي بن حنان عن عبدالرحمن بن كثير قال: سألت الصادق عليه السلام عن قوله (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات) قال أمير المؤمنين عليه السلام واصحابه (كالمفسدين في الارض) حبتر وزريق واصحابهما (أم نجعل المتقين) أمير المؤمنين (ع) واصحابه (كالفجار) حبتر ودلام واصحابهما (كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته) امير المؤمنين والائمة صلوات الله عليه وعليهم اجمعين (وليتذكر اولو الالباب) فهم اهل الالباب الثاقبة، قال: وكان أمير المؤمنين عليه السلام يفتخر بها ويقول ما اعطي أحد قبلي ولا بعدي مثل ما اعطيت.
     
    وقال علي بن ابراهيم في قوله: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد انه أواب - إلى قوله - حتى توارت بالحجاب) وذلك ان سليمان كان يحب الخيل ويستعرضها فعرضت عليه يوما إلى ان غابت الشمس وفاتته صلاة العصر فاغتم من ذلك غما شديدا فدعا الله عزوجل أن يرد عليه الشمس حتى يصلى العصر فرد الله عليه الشمس إلى وقت العصر حتى صلاها ثم دعا
     
    [235]
     
    بالخيل فاقبل يضرب اعناقها وسوقها بالسيف حتى قتلها كلها(1) وهو قوله عزوجل (ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والاعناق ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب - إلى قوله - انك انت الوهاب) وهو ان سليمان لما تزوج باليمانية
     
    ___________________________________
     
    (1) الروايات في باب سليمان وأبيه داود عليهما السلام كلها محمولة على التقية لموافقتها لما كان مشهورا في ذلك الزمان على السنة العامة، وقد ورد في قصة الجياد وسليمان ما هو أصح متنا وسندا وهو انه قال ابن عباس: سألت عليا عن هذه الآية فقال: ما بلغك فيها يا بن عباس؟ قلت سمعت كعبا يقول اشتغل سليمان بعرض الافراس حتى فاتته الصلاة فقال ردوها علي يعني الافراس فامر بضرب سوقها وأعناقها بالسيف فسلبه الله ملكه اربعة عشر يوما لانه ظلم الخيل بقتلها، فقال علي عليه السلام: كذب كعب لكن اشتغل سليمان بعرض الافراس ذات يوم لانه أراد جهاد العدو حتى توارت الشمس بالحجاب فقال بامر الله تعالى للملائكة الموكلين بالشمس ردوها علي فردت فصلى العصر في وقتها وان الانبياء لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم لانهم معصومون مطهرون.
     
    (مجمع البيان) وفي تفسير الصافي ان المراد من المسح ان سليمان مسح ساقيه وعنقه للوضوء الرائج في ذاك الزمان وأمر أصحابه الذين فاتتهم الصلاة معه بمثل ذلك.
     
    وفي روايات أصحابنا انه فاته أو الوقت.
     
    (أقول) ويؤيده انه ليس في الآية لفظ الغروب للشمس، بل المذكور لفظ " توارت بالحجاب " أي توارت وراء حائط ونحوه.
     
    وفي الباب روايات أخر تفيد ان المراد من ضمير " توارت " " وردوها " الخيل دون الشمس، والمراد من مسح سوقها وأعناقها ما هو ظاهر من اللفظ أي انه عليه السلام مسح سوق الخيل وأعناقها حبا لها وجعلها مسبلة في سبيل الله.ج.ز.
     
    [236]
     
    ولد منها ابن وكان يحبه فنزل ملك الموت على سليمان وكان كثيرا ما ينزل عليه فنظر إلى ابنه نظرا حديدا، ففزع سليمان من ذلك فقال لامه: إن ملك الموت نظر إلى ابني نظرة اظنه قد أمر بقبض روحه، فقال الجن والشياطين هل لكم حيلة في ان تفروه من الموت، فقال واحد منهم: أنا أضعه تحت عين الشمس في المشرق، فقال سليمان ان ملك الموت يخرج ما بين المشرق والمغرب، فقال واحد منهم أنا أضعه في الارض السابعة، فقال ان ملك الموت يبلغ ذلك، فقال آخر: أنا أضعه في السحاب والهواء فرفعه ووضعه في السحاب، فجاء ملك الموت فقبض روحه في السحاب فوقع جسده ميتا(1) على كرسي سليمان فعلم انه قد أخطأ فحكى الله ذلك في قوله (وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي انك انت الوهاب فسخرنا له الريح تجري بامره رخاء‌ا حيث أصاب) والرخاء اللينة (والشياطين كل بناء وغواص) اي في البحر (وآخرين مقرنين في الاصفاد) يعني مقيدين قد شد بعضهم إلى بعض وهم الذين عصوا سليمان عليه السلام حين سلبه الله عزوجل ملكه.
     
    وقال الصادق عليه السلام: جعل الله عزوجل ملك سليمان في خاتمه فكان إذا لبسه حضرته الجن والانس والشياطين وجميع الطيور والوحش وأطاعوه فيقعد على كرسيه وبعث الله عزوجل رياحا تحمل الكرسي بجميع ما عليه من الشياطين والطير
     
    ___________________________________
     
    (1) وفي تفسير مجمع البيان عن ابي عبدالله عليه السلام انه لما ولد لسليمان ابن قال بعض الجن والشياطين ان عاش له ولد لنلقين منه ما لقينا من أبيه من البلاء، فأشفق سليمان منهم عليه فاسترضعه في المزن فلم يشعر إلا وقد وضع على كرسيه ميتا تنبيها على ان الحذر لا ينفع عن القدر فانما عوتب على خوفه من الشياطين.ج.ز.
     
    [237]
     
    والانس والدواب والخيل فتمر بها في الهواء إلى موضع يريده سليمان عليه السلام، وكان يصلي الغداة بالشام ويصلي الظهر بفارس، وكان يأمر الشياطين ان تحمل الحجارة من فارس يبيعونها بالشام، فلما مسح اعناق الخيل وسوقها بالسيف سلبه الله ملكه، وكان إذا دخل الخلاء دفع خاتمه إلى بعض من يخدمه فجاء شيطان فخدع خادمه واخذ منه الخاتم، ولبسه فخرت عليه الشياطين والجن والانس والطير والوحش وخرج سليمان في طلب الخاتم فلم يجده فهرب ومر على ساحل البحر وأنكرت بنو إسرائيل الشيطان الذي تصور في صورة سليمان وصاروا إلى امه وقالوا لها أتنكرين من سليمان شيئا؟ فقالت كان أبر الناس بي وهو اليوم يبغضني وصاروا إلى جواريه ونسائه وقالوا أتنكرين من سليمان شيئا؟ قلن كان لم يكن يأتينا في الحيض، فلما خاف الشيطان ان يفطنوا به ألقى الخاتم في البحر، فبعث الله سمكة فالتقمته وهرب الشيطان، فبقوا بنو إسرائيل يطلبون سليمان اربعين يوما.
     
    وكان سليمان يمر على ساحل البحر يبكي ويستغفر الله تائبا إلى الله مما كان منه فلما كان بعد اربعين يوما مر بصياد يصيد السمك فقال له اعينك على ان تعطيني من السمك شيئا، قال نعم فأعانه سليمان فلما اصطاد دفع إلى سليمان سمكة فاخذها فشق بطنها وذهب يغسلها فوجد الخاتم في بطنها، فلبسه فخرت عليه الشياطين والجن والانس والطير والوحش ورجع إلى ما كان وطلب ذلك الشيطان وجنوده الذين كانوا معه فقيدهم وحبس بعضهم في جوف الماء وبعضهم في جوف الصخر باسامي الله فهم محبوسون معذبون إلى يوم القيامة.
     
    قال ولما رجع سليمان إلى ملكه قال لآصف بن برخيا وكان آصف كاتب سليمان وهو الذي كان عنده علم من الكتاب: وقد عذرت الناس بجهالتهم فكيف أعذرك؟ فقال: لا تعذرني ولقد عرفت الشيطان الذي اخذ خاتمك وأباه وامه وعمه وخاله ولقد قال لي اكتب لي فقلت له ان قلمي لا يجري بالجور، فقال
     
    [238]
     
    اجلس ولا تكتب فكنت اجلس ولا اكتب شيئا ولكن أخبرني عنك يا سليمان صرت تحب الهدهد وهو أخس الطير منتنا وأنتنه ريحا؟ قال إنه يبصر الماء من وراء الصفا الاصم، قال وكيف يبصر الماء من وراء الصفا وإنما يوارى عنه الفخ بكف من تراب حتى يؤخذ بعنقه ! فقال سليمان قف يا وقاف ! انه إذا جاء القدر حال دون البصر(1).
     
    قال: وحدثني ابي عن ابي بصير عن ابان عن ابي حمزة عن الاصبغ بن نباتة عن امير المؤمنين (ع) قال: خرج سليمان بن داود من بيت المقدس ومعه ثلاثمائة الف كرسي عن يمينه عليها الانس وثلاثمائة الف كرسي عن يساره عليها الجن وأمر الطير فاظلتهم وأمر الريح فحملتهم حتى ورد ايوان كسرى في المدائن ثم رجع فبات فاضطجع ثم غدا فانتهى إلى مدينة تركاوان (م) (بركاوان ك) ثم امر الريح فحملتهم حتى كادت أقدامهم يصيبها الماء وسليمان على عمود منها فقال بعضهم لبعض هل رأيتم ملكا قط أعظم من هذا وسمعتم به فقالوا ما رأينا ولا سمعنا بمثله فنادى ملك من السماء ثواب تسبيحة واحدة في الله اعظم مما رأيتم.
     
    وحدثني أبي عن احمد بن محمد عن ابي نصر (بصيرط) عن عبدالله بن القاسم عن ابي خالد القماط عن ابي عبدالله (ع) قال قالت بنو إسرائيل لسليمان استخلف علينا ابنك، فقال لهم إنه لا يصلح لذلك فألحوا عليه فقال: إني اسائله عن مسائل فان أحسن الجواب فيها استخلفه ثم سأله فقال يا بني ما طعم الماء وطعم الخبز، ومن
     
    ___________________________________
     
    (1) قال في تفسير الصافي: هذا قول العامة الراوين لتلك القصة فالرواية وردت تقية، وقال في المجمع " ان جميع ذلك مما لا يعول عليه لان النبوة لا تكون في الخاتم ولا يجوز ان يسلبها الله ولا ان يمكن الشيطان من التمثل بصورة النبي والقعود على سريره والحكم بين عباده.ج.ز.
     
    [239]
     
    أي شئ ضعف الصوت وشدته؟ واين موضع العقل من البدن؟ ومن أي شئ القساوة والرقة؟ ومم تعب البدن ودعته؟ ومم تكسب البدن وحرمانه؟ فلم يجبه بشئ منها، فقال أبوعبدالله (ع): طعم الماء الحياة وطعم الخبز القوة وضعف الصوت وشدته من شحم الكليتين وموضع العقل الدماغ، ألا ترى ان الرجل اذا كان قليل العقل قيل له ما أخف دماغك والقسوة والرقة من القلب وهو قوله: فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله، وتعب البدن ودعته من القدمين إذا تعبا في المشي يتعب البدن وإذا اودعا البدن وتكسب البدن وحرمانه من اليدين اذا عمل بهما ردتا على البدن واذا لم يعمل بهما لم تردا على البدن شيئا.
     
    قوله: (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه اني مسني الشيطان بنصب وعذاب) قال فانه حدثني أبي عن ابن فضال عن عبدالله بن بحر (محبوب ط) عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبدالله (ع) قال سألته عن بلية ايوب (ع) التى ابتلي بها في الدنيا لاي علة كانت؟ قال لنعمة أنعم الله عليه بها في الدنيا وأدى شكرها وكان في ذلك الزمان لا يحجب ابليس من دون العرش فلما صعد ورأى شكر نعمة ايوب حسده ابليس وقال يا رب ان ايوب لم يؤد اليك شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا ولو حرمته دنياه ما ادى اليك شكر نعمة ابدا فسلطني على دنياه حتى تعلم انه لا يؤدى اليك شكر نعمة ابدا، فقيل له قد سلطتك على ماله وولده قال فانحدر ابليس فلم يبق له مالا وولدا إلا اعطبه فازداد ايوب شكرا لله وحمدا قال فسلطني على زرعه، قال قد فعلت فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق فازداد ايوب لله شكرا وحمدا فقال يا رب ! سلطني على غنمه، فسلطه على غنمه فاهلكها فازداد ايوب لله شكرا وحمدا وقال يا رب سلطني على بدنه فسلطه على بدنه ما خلا عقله وعينه فنفخ فيه ابليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه
     
    [240]
     
    فبقى في ذلك دهرا طويلا يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود(1) وكانت تخرج من بدنه فيردها ويقول لها ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه ونتن حتى أخرجه أهل القرية من القرية وألقوه في المزبلة خارج القرية وكانت امرأته رحيمة بنت يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم صلوات الله عليهم اجمعين وعليها تتصدق من الناس وتأتيه بما تجده، قال فلما طال عليه البلاء ورأى ابليس صبره اتى اصحابا له كانوا رهبانا في الجبال وقال لهم: مروا بنا إلى هذا العبد المبتلى ونسأله عن بليته فركبوا بغالا شهبا وجاؤا فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه فقرنوا بعضا إلى بعض ثم مشوا اليه وكان فيهم شاب حدث السن فقعدوا اليه، فقالوا: يا ايوب لو اخبرتنا بذنبك لعل الله كان يهلكنا إذا سألناه(2) وما نرى ابتلاء‌ك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحد إلا من أمر كنت تستره؟ فقال أيوب: وعزة ربي انه ليعلم اني ما اكلت طعاما إلا ويتيم او ضيف يأكل
     
    ___________________________________
     
    (1) هذه الرواية ايضا محمولة على التقية لعدم استقامتها على قواعد الامامية الذين يقولون بتنزه المعصومين عن الرذائل الخلقية والخليفة مع ما ورد في الاخبار ما يرده.
     
    ففي قصص الانبياء للسيد الجزائري عن ابي عبدالله عليه السلام: ان ايوب عليه السلام مع جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة ولا قبحت له صورة، ولا خرجت منه مدة دم ولا قيح، ولا استقذره أحد رآه، ولا استوحش منه احد شاهده، ولا تدود شئ من جسده، وهكذا يصنع الله عزوجل بجميع من يبتليه من انبيائه واوليائه المكرمين عليه (ص 234).
     
    وفي تفسير الصافي (ص‍ 450) عن الصادقين عليهما السلام: ان ايوب عليه السلام ابتلي بغير ذنب سبع سنين وان الانبياء معصومون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا.
     
    (2) هكذا في النسخة والاولى " فعلناه " ج.ز
     
    [241]
     
    معي وما عرض لي أمران كلاهما طاعة الله إلا أخذت باشدهما على بدني، فقال الشاب سوأة لكم عمدتم إلى نبي الله فعيرتموه حتى أظهر من عبادة ربه ما كان يسترها، فقال أيوب: يا رب لو جلست مجلس الحكم منك لادليت بحجتي فبعث الله اليه غمامة فقال: أيوب أدلني بحجتك فقد أقعدتك مقعد الحكم وها أنا ذا قريب ولم أزل فقال يا رب انك لتعلم انه لم يعرض لي أمران قط كلاهما لك طاعة إلا أخذت باشدهما على نفسي ألم أحمدك ألم أشكرك ألم أسبحك؟ قال: فنودي من الغمامة بعشرة الف لسان يا أيوب من صيرك تعبد الله والناس عنه غافلون وتحمده وتسبحه وتكبره والناس عنه غافلون أتمن على الله بما لله فيه المنة عليك؟ قال: فاخذ أيوب التراب فوضعه في فيه ثم قال لك العتبى يا رب أنت فعلت ذلك بي، فانزل الله عليه ملكا فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء فعاد احسن ما كان وأطرأ وأنبت الله عليه روضة خضراء ورد عليه أهله وماله وولده وزرعه وقعد معه الملك يحدثه ويؤنسه.
     
    فاقبلت امرأته معها الكسر، فلما انتهت إلى الموضع إذ الموضع متغير وإذا رجلان جالسان فبكت وصاحت وقالت يا أيوب ما دهاك فناداها أيوب، فاقبلت فلما رأته وقد رد الله عليه بدنه ونعمته سجدت لله شكرا فرأى ذوابتها مقطوعة وذلك انها سألت قوما ان يعطوها ما تحمله إلى أيوب من الطعام وكانت حسنة الذوايب فقالوا لها تبيعينا ذوائبك هذه حتى نعطيك فقطعتها ودفعتها اليهم واخذت منهم طعاما لايوب، فلما رآها مقطوعة الشعر غضب وحلف عليها ان يضربها مائة سوط فاخبرته انه كان سببه كيت وكيت فاغتم أيوب من ذلك فاوحى الله اليه (فخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) فاخذ مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة فخرج من يمينه ثم قال: (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لاولي الالباب)
     
    [242]
     
    قال: فرد الله عليه أهله الذين ماتوا قبل البلاء ورد عليه أهله الذين ماتوا بعدما أصابه البلاء كلهم أحياهم الله تعالى، فعاشوا معه، وسئل ايوب بعدما عافاه الله أي شئ كان أشد عليك مما مر عليك؟ قال: شماتة الاعداء قال فامطر الله عليه في داره فراش الذهب وكان يجمعه فاذا ذهب الريح منه بشئ عدا خلفه فرده، فقال له جبرئيل: أما تشبع يا ايوب؟ قال: ومن يشبع من رزق ربه ثم قال: (واذكر - يا محمد - عبادنا ابراهيم واسحاق ويعقوب أولي الايدي والابصار) يعني أولي القوة وفي رواية أبي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله: (أولي الايدي والابصار) يعني اولي القوة في العبادة والصبر (البصر ط) فيها وقوله: (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) يقول ان الله اصطفاهم بذكر الآخرة واختصهم بها.
     
    قال علي بن ابراهيم ثم ذكر الله المتقين وما لهم عند الله فقال: (هذا ذكر وان للمتقين لحسن مآب - إلى قوله - قاصرات الطرف أتراب) يعني الحور العين يقصر الطرف عنها والبصر من صفائها مع ما حكى الله من قول اهل الجنة (ان هذا لرزقنا ماله من نفاد) اي لا ينفذ ولا يفنى (هذا وان للطاغين لشر مآب جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه حميم وغساق) قال الغساق واد في جهنم فيه ثلاثمائة وثلاثون قصرا في كل قصر ثلاثمائة بيت في كل بيت اربعون زاوية في كل زاوية شجاع(1) في كل شجاع ثلاثمائة وثلاثون عقربا في جمجمة كل عقرب ثلاثمائة وثلاثون قلة من سم لو أن عقربا منها نضحت سمها على اهل جهنم لوسعتهم بسمها (هذا وان للطاغين لشر مآب) وهم زريق وحبتر وبنو أمية ثم ذكر من كان من بعدهم ممن غصب آل محمد حقهم فقال: (وآخر من شكله ازواج هذا فوج مقتحم معكم) وهم بنو السباع(2)، ويقولون بنو أمية (لا مرحبا بهم انهم
     
    ___________________________________
     
    (1) ضرب من الحيات.
     
    (2) انه مقلوب " بنو العباس ".ج ز
     
    [243]
     
    صالوا النار) فيقولون بنو فلان (بل انتم لا مرحبا بكم انتم قدمتموه لنا) وبدأتم بظلم آل محمد (فبئس القرار) ثم يقول بنو امية (ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار) يعنون الاولين ثم يقول أعداء آل محمد في النار (ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار) في الدنيا وهم شيعة أمير المؤمنين عليه السلام (اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الابصار) ثم قال: (إن ذلك لحق تخاصم اهل النار) فيما بينهم وذلك قول الصادق عليه السلام: والله انكم لفي الجنة تحبرون وفي النار تطلبون.
     
    ثم قال عزوجل: يا محمد (قل هو نبأ عظيم) يعني أمير المؤمنين عليه السلام (انتم عنه معرضون ما كان لي من علم بالملا الاعلى - إلى قوله - مبين) قال فانه حدثني خالد عن الحسن بن محبوب عن محمد بن يسار (سيار عن ط) عن مالك الاسدي عن اسماعيل الجعفي قال كنت في المسجد الحرام قاعدا وأبوجعفر عليه السلام في ناحية فرفع رأسه فنظر إلى السماء مرة وإلى الكعبة مرة ثم قال: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى وكرر ذلك ثلاث مرات ثم التفت إلي فقال: أي شئ يقولون أهل العراق في هذه الآية يا عراقي؟ قلت يقولون أسرى به من المسجد الحرام إلى البيت المقدس فقال: لا ليس كما يقولون، ولكنه أسرى به من هذه إلى هذه وأشار بيده إلى السماء وقال ما بينهما حرم، قال فلما انتهى به إلى سدرة المنتهى تخلف عنه جبرئيل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل في هذا الموضع تخذلني؟ فقال تقدم أمامك فو الله لقد بلغت مبلغا لم يبلغه أحد من خلق الله قبلك فرأيت من نور ربي وحال بيني وبينه السبخة (التسبيحة ط)، قلت: وما السبخة جعلت فداك؟ فاومى بوجهه إلى الارض وأومى بيده إلى السماء وهو يقول جلال ربي ثلاث مرات، قال يا محمد ! قلت: لبيك يا رب قال فيم اختصم الملا الاعلى
     
    [244]
     
    قال قلت سبحانك لا علم لي إلا ما علمتني قال فوضع يده - اي يد القدرة -(1) بين ثديي فوجدت بردها بين كتفي قال فلم يسألني عما مضى ولا عما بقي إلا علمته قال: يا محمد فيم اختصم الملا الاعلى؟ قال قلت: يا رب في الدرجات والكفارات والحسنات فقال: يا محمد قد انقضت نبوتك وانقطع اكلك فمن وصيك؟ فقلت يا رب قد بلوت خلقك فلم أر من خلقك أحدا أطوع لي من علي؟ فقال ولي يا محمد فقلت يا رب اني قد بلوت خلقك فلم أر في خلقك أحدا أشد حبا لي من علي بن أبي طالب عليه السلام قال: ولي يا محمد، فبشره بانه راية الهدى وإمام اوليائي ونور لمن اطاعني والكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه فقد احبني ومن ابغضه فقد ابغضني، مع ما اني اخصه بما لم اخص به أحدا، فقلت يا رب اخي وصاحبي ووزيري ووارثي، فقال انه امر قد سبق انه مبتلى ومبتلى به مع ما اني قد نحلته ونحلته ونحلته ونحلته أربعة اشياء عقدها بيده ولا يفصح بها عقدها.
     
    ثم حكى خبر إبليس فقال عزوجل: (إذ قال ربك للملائكة اني خالق بشرا من طين) وقد كتبنا خبر آدم وإبليس في موضعه، حدثنا محمد بن احمد بن ثابت قال حدثنا القاسم(2) بن محمد عن اسماعيل الهاشمي عن محمد بن يسار (سيار ط) عن الحسن بن المختار عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال لو ان الله خلق الخلق كلهم بيده لم يحتج في آدم انه خلقه بيده فيقول " ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي " أفترى الله يبعث الاشياء بيده، وقال علي بن ابراهيم في قوله: خلقتني من نار وخلقته من طين) قال فانه حدثنى ابي عن سعيد بن ابي سعيد عن اسحاق بن حريز قال قال ابوعبدالله عليه السلام: أي شئ يقول أصحابك في قول ابليس خلقتنى من نار وخلقته من طين؟ قلت جعلت فداك قد قال ذلك وذكره الله في كتابه قال كذب
     
    ___________________________________
     
    (1) وهذا كاطلاق اليد في الآية الشريفة " يد الله فوق ايديهم " ج.ز
     
    (2) وفى ط هكذا: محمد بن احمد بن ثابت حدثنا القسم بن اسماعيل الهاشمى عن
     
    [245]
     
    ابليس لعنه الله يا اسحاق ما خلقه الله إلا من طين، ثم قال: قال الله: الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فاذا انتم منه توقدون خلقه الله من تلك النار والنار من تلك الشجرة والشجرة اصلها من طين، اخبرنا احمد بن ادريس قال حدثنا احمد ابن محمد عن محمد بن يونس عن رجل عن ابي عبدالله (ع) في قول الله تبارك وتعالى (فانظرني إلى يوم يبعثون قال فانك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) قال يوم الوقت المعلوم يوم يذبحه رسول الله صلى الله عليه وآله على الصخرة التي في بيت المقدس.
     
    قال علي بن ابراهيم ثم قال لابليس لعنه الله لما قال (فبعزتك لاغوينهم اجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) فقال الله (فالحق والحق أقول لاملان جهنم منك ومن تبعك منهم أجمعين) حدثنا سعيد بن محمد بن بكر بن سهل عن عبد الغنى عن موسى بن عبدالرحمن عن ابن جريح عن عطا عن ابن عباس في قوله: (قل - يا محمد - ما أسألكم عليه من أجر) أي على ما أدعوكم اليه من مال تعطونيه (وما أنا من المتكلفين) يريد ما اتكلف هذا من عندي (إن هو إلا ذكر) يريد موعظة (للعالمين) يريد الخلق اجمعين (ولتعلمن) يا معشر المشركين (نبأه بعد حين) يريد عند الموت وبعد الموت يوم القيامة.