Rss Feed

  1. مكية الجزء(15) وآياتها مأة واحدى عشر
     
    (بسم الله الرحمن الرحيم، سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير) فحكى ابي عن محمد بن ابي عمير عن هشام بن سالم عن ابي عبدالله عليه السلام قال جاء جبرئيل وميكائيل واسرافيل بالبراق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاخذ واحد باللجام وواحد بالركاب وسوى الآخر عليه ثيابه فتضعضعت البراق فلطمها جبرئيل ثم قال لها اسكني يا براق فما ركبك نبي قبله ولا يركبك بعده مثله قال فرقت به ورفعته ارتفاعا ليس بالكثير ومعه جبرئيل يريه الآيات من السماء والارض قال فبينا انا في مسيري إذ نادى مناد عن يميني يا محمد فلم اجبه ولم ألتفت اليه ثم نادانى مناد عن يساري يا محمد فلم اجبه ولم التفت اليه ثم استقبلتني امرأة كاشفة عن ذراعيها وعليها من كل زينة الدنيا فقالت يا محمد انظرني حتى اكلمك فلم ألتفت اليها ثم سرت فسمعت صوتا أفزعني فجاوزت به فنزل بى جبرئيل، فقال صل فصليت فقال اتدري اين صليت؟ فقلت لا، فقال صليت بطيبة واليها مهاجرتك، ثم ركبت فمضينا ما شاء الله ثم قال لي انزل وصل فنزلت وصليت، فقال لي أتدري اين
     
    [4]
     
    صليت؟ فقلت لا، فقال صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى تكليما ثم ركبت فمضينا ما شاء الله ثم قال لي انزل فصل فنزلت وصليت فقال لي اتدري اين صليت؟ فقلت لا، قال صليت في بيت لحم بناحية بيت المقدس، حيث ولد عيسى بن مريم عليه السلام ثم ركبت فمضينا حتى انتهينا إلى بيت المقدس فربطت البراق بالحلقة التي كانت الانبياء تربط بها فدخلت المسجد ومعي جبرئيل إلى جنبي فوجدنا ابراهيم وموسى وعيسى فيمن شاء الله من انبياء الله قد جمعوا الي واقمت الصلاة ولا اشك إلا وجبرئيل استقدمنا، فلما استووا اخذ جبرئيل عليه السلام بعضدي فقدمني فاممتهم ولا فخر، ثم اتانى الخازن بثلاث اواني، اناء فيه لبن واناء فيه ماء واناء فيه خمر، فسمعت قائلا يقول ان اخذ الماء غرق وغرقت امته، وان اخذ الخمر غوى وغوت امته وان اخذ اللبن هدي وهديت امته، فاخذت اللبن فشربت منه فقال جبرئيل هديت وهديت امتك ثم قال لي ماذا رأيت في مسيرك؟ فقلت ناداني مناد عن يميني فقال لي أو أجبته؟ فقلت لا ولم التفت اليه، فقال ذاك داعي اليهود لو اجبته لتهودت امتك من بعدك ثم قال ماذا رأيت؟ فقلت نادانى مناد عن يساري فقال أو أجبته؟ فقلت لا ولم التفت اليه، فقال ذاك داعي النصاري لو اجبته لتنصرت امتك من بعدك ثم ثم قال ماذا استقبلك؟ فقلت لقيت امرأة كاشفة عن ذراعيها عليها من كل زينة فقالت يا محمد انظرني حتى اكلمك، فقال لي أفكلمتها؟ فقلت لم اكلمها ولم التفت اليها، فقال تلك الدنيا ولم كلمتها لاختارت امتك الدنيا على الآخرة، ثم سمعت صوتا افزعني فقال جبرئيل أتسمع يا محمد قلت نعم قال هذه صخرة قذفتها عن شفير جهنم منذ سبعين عاما فهذا حين استقرت، قالوا فما ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قبض.
     
    قال فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى سماء الدنيا وعليها ملك يقال له اسماعيل
     
    [5]
     
    وهو صاحب الخطفة التي قال الله عزوجل: " ألا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب " وتحته سبعون الف ملك تحت كل ملك سبعون الف ملك، فقال يا جبرئيل من هذا معك؟ فقال: محمد صلى الله عليه وآله قال أوقد بعث؟ قال نعم ففتح الباب فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحبا بالاخ الناصح والنبي الصالح وتلقتني الملائكة حتى دخلت سماء الدنيا فما لقيني ملك إلا كان ضاحكا مستبشرا حتى لقيني ملك من الملائكة لم أر أعظم خلقا منه كريه المنظر ظاهر الغضب، فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء إلا انه لم يضحك ولم ار فيه من الاستبشار وما رأيت ممن ضحك من الملائكة، فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فاني قد فزعت فقال يجوز ان تفزع منه، وكلنا نفزع منه هذا مالك خازن النار لم يضحك قط ولم يزل منذ ولاه الله جهنم يزداد كل يوم غضبا وغيظا على اعداء الله واهل معصيته فينتقم الله به منهم ولو ضحك إلى احد قبلك او كان ضاحكا لاحد بعدك لضحك اليك ولكنه لا يضحك، فسلمت عليه فرد علي السلام وبشرني بالجنة، فقلت لجبرئيل وجبرئيل بالمكان الذي وصفه الله مطاع ثم امين، ألا تأمره ان يريني النار؟ فقال له جبرئيل يا مالك ار محمدا النار، فكشف عنها غطاء‌ها وفتح بابا منها، فخرج منها لهب ساطع في السماء وفارت فارتعدت حتى ظننت ليتنا ولني مما رأيت، فقلت له يا جبرئيل قل له فليرد عليها غطاء‌ها فامرها، فقال لها ارجعي فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه.
     
    ثم مضيت فرأيت رجلا ادما جسيما فقلت من هذا يا جبرئيل، فقال هذا ابوك آدم فاذا هو يعرض عليه ذريته فيقول روح طيب وريح طيبة من جسد طيب ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله سورة المطففين على رأس سبعة عشر آية " كلا ان كتاب الابرار لفي عليين وما ادريك ما عليون كتاب مرقوم " إلى آخرها، قال فسلمت على ابي آدم وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي، وقال مرحبا بالابن
     
    [6]
     
    الصالح والنبي الصالح والمبعوث في الزمن الصالح.
     
    ثم مررت بملك من الملائكة وهو جالس وإذا جميع الدنيا بين ركبتيه واذا بيده لوح من نور فيه كتاب ينظر فيه ولا يلتفت يمينا ولا شمالا مقبلا عليه كهيئة الحزين فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فقال هذا ملك الموت دائب في قبض الارواح فقلت يا جبرئيل ادنني منه حتى اكلمه، فادناني منه فسلمت عليه، وقال له جبرئيل هذا محمد نبي الرحمة الذي ارسله الله إلى العباد فرحب بى وحياني بالسلام وقال ابشر يا محمد فاني ارى الخير كله في امتك فقلت الحمد لله المنان ذي النعم على عباده ذلك من فضل ربي ورحمته علي، فقال جبرئيل هو اشد الملائكة عملا فقلت أكل من مات او هو ميت فيما بعد هذا تقبض روحه؟ قال نعم قلت تراهم حيث كانوا وتشهدهم بنفسك؟ فقال نعم، فقال ملك الموت ما الدنيا كلها عندي فيما سخرها الله لي ومكنني منها إلا كالدرهم في كف الرجل يقلبه كيف يشاء وما من دار إلا وأنا اتصفحها كل يوم خمس مرات واقول إذا بكى أهل الميت على ميتهم لا تبكوا عليه فان لي فيكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم احد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كفى بالموت طامة يا جبرئيل فقال جبرئيل ان ما بعد الموت اطم واطم من الموت.
     
    قال ثم مضيت فاذا انا بقوم بين ايديهم موائد من لحم طيب ولحم خبيث يأكلون الخبيث ويدعون الطيب، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال وهم من امتك يا محمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ثم رأيت ملكا من الملائكة جعل الله امره عجبا نصف جسده نار والنصف الآخر ثلج فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفي النار وهو ينادي بصوت رفيع يقول سبحان الذي كف حر هذه النار فلا تذيب الثلج وكف برد هذا الثلج فلا يطفي حر هذه النار اللهم يا مؤلف بين الثلج والنار الف بين قلوب عبادك
     
    [7]
     
    المؤمنين، فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فقال هذا ملك وكله الله يا كناف السماوات واطراف الارضين وهو انصح ملائكة الله تعالى لاهل الارض من عباده المؤمنين يدعو لهم بما تسمع منذ خلق، وملكان يناديان في السماء احدهما يقول اللهم اعط كل منفق خلفا والآخر يقول اللهم اعط كل ممسك تلفا.
     
    ثم مضيت فاذا أنا باقوام لهم مشافر كمشافر الابل يقرض اللحم من جنوبهم ويلقى في افواههم فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال هؤلاء الهمازون اللمازون ثم مضيت فاذا انا باقوام ترضخ رؤوسهم بالصخر، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء ثم مضيت فاذا انا باقوام تقذف النار في افواههم وتخرج من ادبارهم، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال هؤلاء الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا، ثم مضيت فاذا انا باقوام يريد أحدهم ان يقوم فلا يقدر من عظم بطنه فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس فاذا هم مثل آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا يقولون ربنا متى تقوم الساعة قال ثم مضيت فاذا انا بنسوان معلقات بثديهن فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال هؤلاء اللواتي يورثن اموال ازواجهن اولاد غيرهم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله اشتد غضب الله على امرأة ادخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم فاطلع على عوراتهم واكل خزائنهم.
     
    قال ثم مررنا بملائكة من ملائكة الله عزوجل خلقهم الله كيف شاء ووضع وجوهم كيف شاء ليس شئ من اطباق اجسادهم إلا وهو يسبح الله ويحمده من كل ناحية باصوات مختلفة اصواتهم مرتفعة بالتحميد والبكاء من خشية الله فسألت جبرئيل عنهم، فقال كما ترى خلقوا ان الملك منهم إلى جنب صاحبه ما كلمه قط ولا رفعوا رؤسهم إلى ما فوقها ولا خفضوها إلى ما تحتهم خوفا من
     
    [8]
     
    الله خشوعا فسلمت عليهم فردوا علي إيماء‌ا برؤسهم لا ينظرون الي من الخشوع فقال لهم جبرئيل هذا محمد نبي الرحمة ارسله الله إلى العباد رسولا ونبيا وهو خاتم النبيين وسيدهم أفلا تكلمونه؟ قال فلما سمعوا ذلك من جبرئيل اقبلوا علي بالسلام واكرمونى وبشروني بالخير لي ولامتي.
     
    قال ثم صعد بي إلى السماء الثانية فاذا فيها رجلان متشابهان فقلت من هذان يا جبرئيل؟ فقال لي ابناء الخالة يحيى وعيسى بن مريم فسلمت عليهما وسلما علي واستغفرت لهما واستغفرا لي وقالا مرحبا بالاخ الصالح والنبي الصالح وإذا فيها من الملائكة مثل ما في السماء الاولى وعليهم الخشوع قد وضع الله وجوههم كيف شاء ليس منهم ملك إلا يسبح لله ويحمده باصوات مختلفة.
     
    ثم صعدنا إلى السماء الثالثة فاذا فيها رجل فضل حسنه على سائر الخلق كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فقال هذا اخوك يوسف فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لى وقال مرحبا بالنبي الصالح والاخ الصالح والمبعوث في الزمن الصالح، وإذا فيها ملائكة عليهم من الخشوع مثل ما وصفت في السماء الاولى والثانية، وقال لهم جبرائيل في امري ما قال للآخرين وصنعوا بي مثل ما صنع الآخرون.
     
    ثم صعدنا إلى السماء الرابعة واذا فيها رجل، قلت من هذا يا جبرئيل؟ قال هذا ادريس رفعه الله مكانا عليا فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي واذا فيها من الملائكة عليهم من الخشوع مثل ما في السماوات، فبشروني بالخير لي ولامتي، ثم رأيت ملكا جالسا علي سرير تحت يديه سبعون الف ملك تحت كل ملك سبعون الف ملك فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله انه هو، فصاح به جبرئيل فقال قم فهو قائم إلى يوم القيامة، ثم صعدنا إلى السماء الخامسة فاذا فيها رجل كهل عظيم العين لم أر كهلا اعظم منه حوله ثلة من امته
     
    [9]
     
    فاعجبتني كثرتهم فقلت من هذا يا جبرئيل؟ قال هذا المحبب في قومه هارون ابن عمران فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي واذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.
     
    ثم صعدنا إلى السماء السادسة واذا فيها رجل ادم طويل عليه سمرة ولولا ان عليه قميصين لنفذ شعره منهما فسمعته يقول تزعم بنو اسرائيل انى اكرم ولد آدم على الله وهذا رجل اكرم على الله مني فقلت من هذا يا جبرائيل؟ قال هذا اخوك موسى بن عمران، فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي واذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.
     
    ثم صعدنا إلى السماء السابعة فما مررت بملك من الملائكة إلا قالوا يا محمد احتجم وأمر امتك بالحجامة، واذا فيها رجل اشمط الرأس(1) واللحية، جالس على كرسي فقلت يا جبرئيل من هذا الذي في السماء السابعة على باب البيت المعمور في جوار الله؟ فقال هذا ابوك ابراهيم وهذا محلك ومحل من اتقى من امتك، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله " ان اولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " قال صلى الله عليه وآله: فسلمت عليه وسلم علي وقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح والمبعوث في الزمن الصالح واذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات، فبشرونى بالخير لي ولامتي.
     
    قال رسول الله صلى الله عليه وآله ورأيت في السماء السابعة بحارا من نور يتلالا يكاد تلالؤها يخطف بالابصار وفيها بحار مظلمة وبحار ثلج ورعد فلما فزعت ورأيت هولا سألت جبرئيل فقال ابشر يا محمد واشكر كرامة ربك واشكر الله بما صنع اليك قال فثبتني الله بقوته وعونه حتى كثر قولي لجبرئيل
     
    ___________________________________
     
    (1) خالط بياض رأسه سواد فهو اشمط.ج.ز.
     
    [10]
     
    وتعجبي، فقال جبرئيل يا محمد أتعظم ما ترى؟ إنما هذا خلق من ربك فكيف بالخالق الذي خلق ما ترى، وما لا ترى اعظم من هذا من خلق ربك، ان بين الله وبين خلقه سبعون (تسعون خ ل) الف حجاب واقرب الخلق إلى الله انا واسرافيل وبيننا وبينه اربعة حجب.
     
    حجاب من نور وحجاب من ظلمة وحجاب من الغمام وحجاب من الماء، قال ورأيت من العجائب التي خلق الله سبحانه وسخر به على ما اراده ديكا رجلاه في تخوم الارضين السابعة ورأسه عند العرش وملكا من ملائكة الله خلقه كما اراد رجلاه في تخوم الارضين السابعة ثم اقبل مصعدا حتى خرج في الهواء إلى السماء السابعة وانتهى فيها مصعدا حتى استقر قرنه إلى قرب العرش وهو يقول: سبحان ربى حيث ما كنت لا تدري اين ربك من عظم شأنه وله جناحان في منكبيه اذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب فاذا كان في السحر ذلك الديك نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح يقول: سبحان الله الملك القدوس، سبحان الله الكبير المتعال، لا إله إلا الله الحي القيوم، واذا قال ذلك سبحت ديوك الارض كلها وخفقت باجنحتها واخذت في الصراخ فاذا سكت ذلك الديك في السماء سكتت ديوك الارض كلها ولذلك الديك زغب اخضر وريش ابيض كاشد بياض ما رأيته قط وله زغب اخضر ايضا تحت ريشه الابيض كاشد خضرة ما رأيتها.
     
    ثم قال مضيت مع جبرئيل فدخلت البيت المعمور فصليت فيه ركعتين ومعي اناس من اصحابي عليهم ثياب جدد وآخرون عليهم ثياب خلقان فدخل اصحاب الجدد وحبس اصحاب الخلقان ثم خرجت فانقاد لي نهران نهر يسمى الكوثر، ونهر يسمى الرحمة فشربت من الكوثر واغتسلت من الرحمة ثم انقادا لي جميعا حتى دخلت الجنة فاذا على حافتيها بيوتى وبيوت ازواجي واذا ترابها كالمسك فاذا جارية تنغمس في انهار الجنة فقلت لمن انت يا جارية؟ فقالت لزيد
     
    [11]
     
    ابن حارثة فبشرته بها حين اصبحت، واذا بطيرها كالبخت(1) واذا رمانها مثل الدلاء العظام، واذا شجرة لو ارسل طائر في اصلها ما دارها تسعمائة سنة، وليس في الجنة منزل إلا وفيها فرع منها فقلت ما هذه يا جبرئيل؟ فقال هذه شجرة طوبى، قال الله طوبى لهم وحسن مآب، قال رسول الله صلى الله عليه وآله فلما دخلت الجنة رجعت إلى نفسي فسألت جبرئيل عن تلك البحار وهو لها واعاجيبها قال هي سرادقات الحجب التي احتجب الله بها ولولا تلك الحجب لهتك نور العرش كل شئ فيه، وانتهيت إلى سدرة المنتهى فاذا الورقة منها تظل به امة من الامم فكنت منها كما قال الله تبارك وتعالى: " كقاب قوسين او ادنى " فناداني " آمن الرسول بما انزل اليه من ربه " وقد كتبنا ذلك في سورة البقرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا رب اعطيت انبيائك فضائل فاعطني، فقال الله قد اعطيتك فيما اعطيتك كلمتين من تحت عرشي: " لا حول ولا قوة إلا بالله ولا منجا منك إلا اليك " قال وعلمتني الملائكة قولا اقوله إذا اصبحت وامسيت: (اللهم ان ظلمي اصبح مستجيرا بعفوك وذنبي اصبح مستجيرا بمغفرتك وذلي اصبح مستجيرا بعزك وفقري اصبح مستجيرا بغناك ووجهي الفاني البالي اصبح مستجيرا بوجهك الدائم الباقى الذي لا يفنى) ثم سمعت الاذان فاذا ملك يؤذن لم ير في السماء قبل تلك الليلة فقال: الله اكبر الله اكبر فقال الله صدق عبدي انا اكبر فقال: اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان لا إله إلا الله فقال الله صدق عبدي انا الله لا إله غيري، فقال: اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله فقال الله صدق عبدي ان محمدا عبدي ورسولي انا بعثته وانتجبته، فقال: حيى على الصلاة حيى على الصلاة فقال صدق عبدي ودعا إلى فريضتي فمن مشى اليها
     
    ___________________________________
     
    (1) البخت بالضم الابل الخراسانية والجمع بخاتى ق
     
    [12]
     
    راغبا فيها محتسبا كانت له كفارة لما مضى من ذنوبه، فقال: حي على الفلاح حي على الفلاح فقال الله هي الصلاح والنجاح والفلاح، ثم اممت الملائكة في السماء كما اممت الانبياء في بيت المقدس، قال ثم غشيتني صبابة فخررت ساجدا فناداني ربي اني قد فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى امتك فقم بها انت في امتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله فانحدرت حتى مررت على ابراهيم فلم يسألني عن شئ حتى انتهيت إلى موسى فقال ما صنعت يا محمد؟ فقلت قال ربي فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى امتك فقال موسى يا محمد ان امتك آخر الامم واضعفها وان ربك لا يرد عليك شيئا وان امتك لا تستطيع ان تقوم بها فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لامتك، فرجعت إلى ربي حتى انتهيت إلى سدرة المنتهى فخررت ساجدا ثم قلت فرضت علي وعلى امتى خمسين صلاة ولا اطيق ذلك ولا امتي فخفف عني فوضع عني عشرة فرجعت إلى موسى فاخبرته فقال ارجع لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فاخبرته فقال ارجع وفى كل رجعة ارجع اليه اخر ساجدا حتى رجع إلى عشر صلوات فرجعت إلى موسى فاخبرته فقال لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني خمسا فرجعت إلى موسى فاخبرته فقال لا تطيق فقلت قد استحييت من ربى ولكن اصبر عليها فناداني مناد كما صبرت عليها فهذه الخمس بخمسين كل صلاة بعشر، من هم من امتك بحسنة يعملها كتبت له عشرة وان لم يعمل كتبت واحدة(1) ومن هم من امتك بسيئة فعملها كتبت عليه واحدة وان لم يعملها لم اكتب عليه شيئا فقال الصادق عليه السلام جزى الله موسى عن هذه الامة خيرا وهذا تفسير قول الله: " سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام " الآية.
     
    ___________________________________
     
    (1) اي لم يقدر على فعلها وهذا كما قال صلى الله عليه وآله نية المؤمن خير من عمله.ج ز
     
    [13]
     
    وروى الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال بينا انا راقد بالابطح وعلي (ع) عن يميني وجعفر عن يساري وحمزة بين يدي واذا انا بخفق اجنحة الملائكة وقائل منهم يقول إلى ايهم بعثت يا جبرئيل؟ فقال إلى هذا واشار الي ثم قال هو سيد ولد آدم وحواء وهذا وصيه ووزيره وختنه وخليفته في امته وهذا عمه سيد الشهداء حمزة وهذا ابن عمه جعفر له جناحان خصيبان يطير بهما في الجنة مع الملائكة دعه فلتنم عيناه ولتسمع اذناه وليعي قلبه واضربوا له مثلا ملك بنى دارا واتخذ مأدبة وبعث داعيا، فقال النبي صلى الله عليه وآله فالملك الله والدار الدنيا والمأدبة الجنة والداعي انا، قال ثم ادركه جبرائيل بالبراق واسرى به إلى بيت المقدس وعرض عليه محاريب الانبياء وآيات الانبياء فصلى فيها ورده من ليلته إلى مكة فمر في رجوعه بعير لقريش واذا لهم ماء في آنيه فشرب منه واهرق باقى ذلك وقد كانوا اضلو بعيرا لهم وكانوا يطلبونه فلما اصبح قال لقريش ان الله قد اسرى بي في هذه الليلة إلى بيت المقدس فعرض علي محاريب الانبياء وآيات الانبياء وانى مررت بعير لكم في موضع كذا وكذا وإذا لهم ماء في آنية فشربت منه واهرقت باقى ذلك وقد كانوا اضلوا بعيرا لهم، فقال ابوجهل لعنه الله قد امكنكم الفرصة من محمد سلوه كم الاساطين فيها والقناديل، فقالوا يا محمد ان ههنا من قد دخل بيت المقدس فصف لنا كم اساطينه وقناديله ومحاريبه؟ فجاء جبرئيل فعلق صورة البيت المقدس تجاه وجهه فجعل يخبرهم بما سألوه فلما اخبرهم قالوا حتى تجيئ العير ونسألهم عما قلت، فقال لهم وتصديق ذلك ان العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس يقدمها جمل احمر، فلما اصبحوا واقبل ينظرون إلى العقبة ويقولون هذه الشمس تطلع الساعة فبيناهم كذلك إذ طلعت العير مع طلوع الشمس يقدمها جمل احمر فسألوهم عما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا لقد كان هذا، ضل جمل لنا في موضع كذا وكذا ووضعنا ماء‌ا واصبحنا وقد اهريق الماء فلم يزدهم ذلك إلا عتوا.
     
    وقوله: (ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا شكورا) فانه حدثني ابى عن ابن ابى عمير
     
    [14]
     
    عن احمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن ابى جعفر عليه السلام قال كان نوح إذا امسى واصبح يقول امسيت اشهد انه ما امسى بى من نعمة في دين او دنيا فانها من الله وحده لا شريك له له الحمد على بها كثيرا والشكر كثيرا فانزل الله انه كان عبدا شكورا فهذا كان شكره.
     
    واما قوله (وقضينا إلى بنى اسرائيل في الكتاب) اى اعلمناهم ثم انقطعت مخاطبة بنى اسرائيل وخاطب امة محمد صلى الله عليه وآله فقال (لتفسدن في الارض مرتين) يعنى فلانا وفلانا واصحابهما ونقضهم العهد (ولتعلن علوا كبيرا) يعنى ما ادعوه من الخلافة (فاذا جاء وعد اوليهما) يعنى يوم الجمل (بعثنا عليكم عبادا لنا اولى باس شديد) يعنى امير المؤمنين (ع) واصحابه (فجاسوا خلال الديار) اى طلبوكم وقتلوكم (وكان وعدا مفعولا) يعنى يتم ويكون (ثم رددنا لكم الكرة عليهم) يعنى بنى امية على آل محمد (وامددناكم باموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا) من الحسن والحسين ابناء على واصحابهما فقتلوا الحسين بن على وسبوا نساء آل محمد (ان احسنتم احسنتم لانفسكم وان اسأتم فلها فاذا جاء وعد الاخرة) يعنى القائم واصحابه (ليسوؤا وجوهكم) يعنى يسودون وجوههم(1) (وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة) يعنى رسول الله صلى الله عليه وآله واصحابه وامير المؤمنين عليه السلام واصحابه (وليتبروا ما علوا تتبيرا) اى يعلوا عليكم فيقتلوكم ثم عطف على آل محمد عليه السلام فقال (عسى ربكم ان يرحمكم) اى ينصركم على عدوكم ثم خاطب بنى امية فقال (وان عدتم عدنا) يعنى عدتم بالسفيانى عدنا بالقائم من آل محمد (ع) (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) اى حبسا يحصرون فيها ثم قال عزوجل (ان هذا القرآن يهدى) اى يبين (للتى هى اقوم ويبشر المؤمنين) يعنى آل محمد (ع) (الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا كبيرا) ثم عطف على بنى اميه فقال (وان الذين لا يؤمنون بالاخرة اعتدنا لهم عذابا اليما) وقوله (ويدع الانسان بالشر دعاء‌ه بالخير وكان الانسان عجولا) قال يدعو على اعدائه بالشر كما يدعوا لنفسه بالخير ويستعجل الله بالعذاب وهو قوله وكان الانسان عجولا وقوله: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) قال المحو في القمر وحدثني ابى عن الحسن بن محبوب عن عبدالله بن سنان (سيار خ ل) عن معروف بن خربوذ عن الحكم بن المستنير عن علي بن الحسين عليهما السلام قال ان من الاوقات التى قدرها الله
     
    [15]
     
    للناس مما يحتاجون اليه البحر الذي خلق الله بين السماء والارض وان الله قدر فيه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب ثم قدر ذلك كله على الفلك ثم وكل بالفلك ملكا معه سبعون الف ملك يديرون الفلك فاذا دارت الشمس والقمر والنجوم والكواكب معه نزلت في منازلها التى قدرها الله فيها ليومها وليلتها واذا كثرت ذنوب العباد واراد الله ان يستعتبهم بآية من آياته امر الملك الموكل بالفلك ان يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب، فيأمر الملك اولئك السبعين الف ملك ان يزيلوا الفلك عن مجاريه قال فيزيلونه فتصير الشمس في البحر الذي يجري فيه الفلك فيطمس حرها ويغير لونها فاذا اراد الله ان يعظم الاية طمست الشمس في البحر على ما يحب الله ان يخوف خلقه بالآية فذلك عند شدة انكساف الشمس وكذلك يفعل بالقمر فاذا اراد الله ان يخرجهما وبردهما إلى مجريهما امر الملك الموكل بالفلك ان يرد الشمس إلى مجريها فيرد الملك الفلك إلى مجراه فتخرج من الماء(1) وهي كدرة والقمر مثل ذلك ثم قال علي بن الحسين عليه السلام
     
    ___________________________________
     
    (1) لا يخفى ان مفاد هذه الرواية وان كان غير مطابق ظاهرا للتحقيقات العصرية لان كسوف الشمس على ما حققوه عبارة عن حيلولة القمر بين الشمس والارض وخسوف القمر عبارة عن حيلولة الارض بينها وبين القمر، مع انه لا وجود للماء في الفضاء فلا معنى لطمس الشمس فيه، إلا انه يمكن ان يقال في مقام التوفيق انه للكسوفين سببان الاول: الحيلولة والثانى: طمسها في الماء على النحو الذي ذكر في الرواية، ووجود الماء في الفضاء غير محال كما دلت عليه الآية الشريفة " هو الذي خلق السموات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء " ويمكن توجيهه بطريق آخر وهو: ان الارض ثلاثة ارباع منها او ازيد مغطاة بالماء فلما تكون حائلة بين الشمس والقمر يصير ظل الماء واقعا على القمر لان نحن الماء الملتف عليها زائد حدا، فاذا فرضنا الشمس إلى جانب والقمر إلى جانب آخر وفي وسطهما من الارض قسمة منها عليها الماء وسطحه محدب لاجل كروية الارض فيكون الحد؟ المائى مانعا عن وصول ضوء الشمس إلى القمر لكونه حائلا بينهما فيقع ظل نحن الماء على القمر فينخسف تماما او ناقصا حسب مقدار حيلولة الماء فيصدق على القمر انه انطمس في الماء ولو مجازا (اي في ظل الماء).
     
    وكذا نقول في انكساف الشمس من انه ليس الحائل بينها وبين الارض نفس السيارة بل قسمة من الماء الموجود فيه ولو في الزمان السابق لامكان الماء فيه سابقا كما ذهب اليه بعض محققى عصرنا، ويؤيده ما عثرنا عليه اخيرا في كتاب " ماه " تاليف فارسى للفاضل المحقق السيد جلال امام جمعة الجزايرى ما خلاصته مترجما بالعربية: " ان التصاوير التى اخذت اخيرا بواسطة سبوتنك الامريكى اوربيتر الرقم 4 - 5 من كرة القمر انعكست فيها اشكال شباهة تامة بالانهار الارضية وهذا صار سببا لاعتقاد بعض محققى العصر بان القمر كان فيه سابقا كمية وافره من الماء - وان الفلكى الامريكائى بروفيسر يورى (UREY) قال في مجلة الطبيعة الرقم 216، ان حاصل الرسوم الجديدة (اوربيتر 4 - 5) برهان ساطع على ان الماء كان موجودا في القمر بكمية كثيرة واعلام جريانه واضحة في هذه التصاوير، لكنه بمرور الزمان وحرارة الشمس تبدل بشكل البخار ولكون قلة جاذبية القمر لم يرجع وانتشر في الفضاء - إلى ان قال - بل انه موجود الان ايضا في طبقات القمر منجمدا بشكل الثلج " فمفاد هذا الكشف ان كرة القمر متركب من اجزاء مائية ويؤيد ما في الحديث الاتى الذى قال فيه الامام الباقر عليه السلام ان الله خلق القمر من ضوء النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا الحديث، فتبين من ذلك كله ان هذه الرواية مما دل على العلم الحيوى لاهل بيت العصمة عليهم السلام ورسوخهم في العلوم بارجائها زمان لم يكن لتلك التحقيقات الجديدة اثر ولا خبر نعم هنا شئ ذكره الامام عليه السلام في هذه الرواية " بطونهما يضيئان لاهل السماء وظهورهما يضيئان لاهل الارض " ومعناه ان الشمسين لا تديران وجهيهما إلى الارض بل الينا طرف واحد منهما وهذا مما بلغه اليوم العلماء العصريون مع ان الفضل للمخبر به قبل الف عام. وفي الكافي والبحار انه قال امير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل له: ان الشمس لو كان وجهها لاهل الارض لاحترقت الارض ومن عليها من شدة حرها (الهيئة والاسلام ص 23).
     
    [17]
     
    انه لا يفزع لهما ولا يرهب إلا من كان من شيعتنا فاذا كان ذلك فافزعوا إلى الله وارجعوا.
     
    قال وقال امير المؤمنين عليه السلام الارض مسيرة خمسمائة عام الخراب منها مسيرة اربعمائة عام والعمران منها مسيرة عام والشمس ستون فرسخا في ستين فرسخا والقمر اربعون فرسخا في اربعين فرسخا بطونهما يضيئان لاهل السماء وظهورهما يضيئان لاهل الارض والكواكب كاعظم جبل على الارض وخلق الشمس قبل القمر، وقال سلام بن المستنير قلت لابي جعفر عليه السلام لم صارت الشمس احر من القمر؟ قال ان الله خلق الشمس من نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى إذا صارت سبعة اطباق ألبسها الله لباسا من نار فمن هنالك صارت الشمس احر من القمر، قلت فالقمر؟ قال ان الله خلق القمر من ضوء النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى اذا صارت سبعة اطباق البسها الله لباسا من ماء فمن هناك صار القمر ابرد من الشمس.
     
    وقوله: (وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه) قال قدره الذي قدره عليه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا - إلى قوله - حتى نبعث رسولا) فانه محكم وفي رواية ابي الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله: " وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه " يقول خيره وشره معه حيث كان لا يستطيع فراقه حتى يعطى كتابه يوم القيامة بما عمل وقال على بن ابراهيم في قوله: (وإذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها) اي كثرنا جبابرتها (ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) وقوله: (من كان يريد العاجلة) يعنى اموال الدنيا (عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد)
     
    [18]
     
    في الدنيا (ثم جعلنا له جهنم) في الآخرة (يصلاها مذموما مدحورا) يعنى يلقى في النار ثم ذكر من عمل للآخرة فقال: (ومن اراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا - ثم قال - كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك) يعنى من أراد الدنيا من الآخرة ومعنى نمداي نعطي (وما كان عطاؤ ربك محظورا) اي ممنوعا وقوله: (لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا) اى في النار وهو مخاطبة للنبي والمعنى للناس وهو قول الصادق عليه السلام ان الله بعث نبيه " باياك اعني واسمعي يا جارة " وقوله: (وقضى ربك ان لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف) قال لو علم ان شيئا اقل من اف لقاله (ولا تنهرهما) اي لا تخاصمهما وفي حديث آخر افا بالالف اي ولا تقل لهما افا (وقل لهما قولا كريما) اي حسنا (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) فقال تذلل لهما ولا تتجبر عليهما (وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا ربكم اعلم بما في نفوسكم ان تكونوا صالحين فانه كان للاوابين) يعني للتوابين (غفورا) وقوله (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل) يعني قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وانزلت في فاطمة عليها السلام فجعل لها فدك والمسكين من ولد فاطمة وابن السبيل من آل محمد وولد فاطمة (ولا تبذروا تبذيرا) اي لا تنفق المال في غير طاعة الله (ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين) والمخاطبة للنبي والمعني للناس ثم عطف بالمخاطبة على الوالدين فقال (واما تعرضن عنهم) يعني عن الوالدين إذا كان لك عيال او كنت عليلا او فقيرا (فقل لهما قولا ميسورا) اي حسنا اذا لم تقدر على برهم وخدمتهم فارج لهم من الله الرحمة.
     
    وقوله: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) فانه كان سبب نزولها ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان لا يرد احدا يسأله شيئا عنده فجاء‌ه رجل فسأله فلم يحضره شئ فقال يكون ان شاء الله،
     
    [19]
     
    فقال يا رسول الله اعطني قميصك وكان عليه السلام لا يرد احدا عما عنده فاعطاه قميصه فانزل الله " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك..الخ " فنهاه ان يبخل او يسرف ويقعد محسورا من الثياب، فقال الصادق عليه السلام المحسور العريان وقوله: (ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق) يعني مخافة الفقر والجوع فان العرب كانوا يقتلون اولادهم لذلك فقال الله عزوجل (نحن نرزقهم واياكم ان قتلهم كان خطأ كبيرا) وقوله: (ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا) فانه محكم وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله " ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة " يقول معصية ومقتا فان الله يمقته ويبغضه قوله (وساء سبيلا) وهو اشد النار عذابا والزنا من اكبر الكبائر، وقال علي بن ابراهيم في قوله: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) اي سلطانا على القاتل (فلا يسرف في القتل انه كان منصورا) يعني ينصر ولد المقتول على القاتل وقوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي احسن) يعني بالمعروف ولا يسرف وقوله: (وأوفوا بالعهد) يعني اذا عاهدت انسانا فأوف له (ان العهد كان مسئولا) يعني يوم القيامة وقوله: (واوفوا الكيل اذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم) اي بالسواء وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال: القسطاس المستقيم فهو الميزان الذي له لسان وقوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم) قال لا ترم احدا بما ليس لك به علم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من بهت مؤمنا او مؤمنة اقيم في طينة خبال او يخرج مما قال، وقال على بن ابراهيم في قوله: " ولا تقف ما ليس لك به علم " اي لا تقل (إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا) قال يسأل السمع عما سمع والبصر عما نظر والفؤاد عما اعتقد عليه.
     
    وحدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن ابي حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السلام
     
    [20]
     
    قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يزول قدم عبد يوم القيامة من بين يدي الله حتى يسأله عن اربع خصال عمرك فيما افنيته وجسدك فيما ابليته ومالك من اين كسبته واين وضعته وعن حبنا اهل البيت وقوله (ولا تمش في الارض مرحا) اي بطرا او فرحا (انك لن تخرق الارض) اى لم تبلغها كلها (ولن تبلغ الجبال طولا) اى لا تقدر ان تبلغ قلل الجبال وقوله: (ذلك مما اوحى اليك ربك من الحكمة) يعني القرآن وما فيه من الانباء ثم قال: (ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا) فالمخاطبة للنبي والمعنى للناس وقوله (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة اناثا) هو رد على قريش فيما قالوا ان الملائكة هن بنات الله وقوله (وما يزيدهم إلا نفورا) قال إذا سمعوا القرآن ينفروا عنه ويكذبوه ثم احتج عزوجل على الكفار الذين يعبدون الاوثان فقال قل لهم يا محمد (لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا) قال لو كانت الاصنام آلهة كما يزعمون لصعدوا إلى العرش ثم قال الله لذلك (سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا) وقوله: (وان من شئ إلا يسبح بحمده) فحرمة كل شئ تسبيح الله عزوجل وقوله: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) يعني يحجب الله عنك الشياطين (وجعلنا على قلوبهم اكنة) اى غشاوة (ان يفقهوه وفي آذانهم وقرا) اي صمما وقوله: (واذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفورا) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله اذا تهجد بالقرآن تسمع له قريش بحسن صوته وكان إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فروا عنه وقوله: (نحن اعلم بما يستمعون به إذ يستمعون اليك وإذهم نجوى) يعنى اذهم في السر يقولون هو ساحر وهو قوله: (اذ يقول الظالمون ان تتبعون إلا رجلا مسحورا) ثم حكى لرسول الله صلى الله عليه وآله قول الدهرية فقال (وقالوا ء‌اذا كنا عظاما ورفاتاء إنا لمبعوثون خلقا جديدا) ثم قال: (قل كونوا
     
    [21]
     
    حجارة او حديدا او خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم اول مرة فسينغضون اليك) والنغض تحريم الرأس (ويقولون متى هو قل عسى ان يكون قريبا) وفي رواية ابي الجارود عن ابى جعفر عليه السلام قال الخلق الذي يكبر في صدوركم الموت.
     
    وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وقل لعبادي يقولوا التي هي احسن ان الشيطان ينزغ بينهم) اي يدخل بينهم يحثهم على المعاصي وقوله: ربكم اعلم بكم ان يشأ يرحمكم - إلى قوله - زبورا) فهو محكم قوله (وان من قرية إلا نحن مهلكوها) اي اهلها (قبل يوم القيامة او معذبوها عذابا شديدا) يعني بالخسف والموت والهلاك (كان ذلك في الكتاب مسطورا) اى مكتوبا وقوله: (وما منعنا ان نرسل بالآيات إلا ان كذب بها الاولون) نزلت في قريش (وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) فعطف على قوله وما منعنا ان نرسل بالآيات.
     
    وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله: " وما منعنا ان نرسل بالآيات " وذلك ان محمدا صلى الله عليه وآله سأله قومه ان يأتيهم بآية فنزل جبرئيل قال ان الله يقول وما منعنا ان نرسل بالآيات إلى قومك إلا ان كذب بها الاولون وكنا إذا ارسلنا إلى قرية آية فلم يؤمنوا بها اهلكناهم فلذلك اخرنا عن قومك الآيات، وقال على بن ابراهيم في قوله: (وما جعلنا الرؤيا التي اريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن) قال نزلت لما رأى النبي في نومه كأن قرودا تصعد منبره فساء‌ه ذلك وغمه غما شديدا فانزل الله " وما جعلنا الرؤيا التي اريناك إلا فتنة لهم ليعمهوا فيها والشجرة الملعونة في القرآن " كذا نزلت وهم بنو امية ثم حكى عزوجل خبر ابليس فقال: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا ابليس - إلى قوله لاحتنكن ذريته إلا
     
    [22]
     
    قليلا) اي لافسدنهم إلا قليلا فقال الله عزوجل: (اذهب فمن تبعك منهم فان جهنم جزاؤكم جزاء‌ا موفورا) وهو محكم (واستفزز) اي اخدع (من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الاموال والاولاد) قال ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان فاذا اشترى به الاماء ونكحهن وولد له فهو شرك الشيطان كما تلد يلزمه منه ويكون مع الرجل اذا جامع فيكون الولد من نطفته ونطفة الرجل اذا كان حراما، وفي حديث آخر اذا جامع الرجل اهله ولم يسم شاركه الشيطان ثم قال: (ربكم الذي يزجى لكم الفلك) اي السفن (في البحر لتبتغوا من فضله انه كان بكم رحيما واذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه) اي بطل من تدعون غير الله (فلما نجاكم إلى البر اعرضتم وكان الانسان كفورا) ثم ارهبهم فقال: (أفامنتم ان يخسف بكم جانب البر او يرسل عليكم حاصبا) اي عذابا وهلاكا (ثم لا تجدوا لكم وكيلا ام امنتم ان يعيدكم فيه تارة اخرى) اي مرة اخرى (فيرسل عليكم قاصفا من الريح) اي تجئ من كل جانب (فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا) وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله: " قاصفا من الربح " قال هي العاصف وقوله " تبيعا " يقول وكيلا ويقال كفيلا ويقال ثائرا.
     
    قال علي بن ابراهيم ثم ذكر بني آدم فقال: (ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) حدثنا جعفر بن محمد (احمد ط) قال حدثنا عبدالكريم بن عبدالرحيم قال حدثنا محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن ابى حمزة الثمالي عن ابى جعفر عليه السلام قال ان الله لا يكرم روح كافر ولكن يكرم ارواح المؤمنين وإنما كرامة النفس والدم بالروح والرزق الطيب هو العلم.
     
    اخبرنا احمد بن ادريس قال حدثنا احمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن
     
    [23]
     
    سعيد عن حماد بن عيسى عن ربعي بن عبدالله بن الفضيل بن يسار (سيار ط) عن ابى جعفر عليه السلام في قول الله تعالى: (يوم ندعوا كل اناس بامامهم) قال يجيئ رسول الله صلى الله عليه وآله في فرقة وعلى في فرقة والاحسن في فرقة والحسين في فرقة وكل من مات بين ظهراني قوم جاؤا معه وقال علي بن ابراهيم في قوله " يوم ندعوا كل اناس بامامهم " قال ذلك يوم القيامة ينادي مناد ليقم فلان وشيعته وفلان وشيعته وفلان وشيعته وعلي وشيعته وقوله: (ولا يظلمون فتيلا) قال الجلدة التي في ظهر النواة.
     
    واما قوله (ومن كان في هذه اعمى فهو في الآخرة اعمى واضل سبيلا) فانه حدثني ابي عن حماد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني عن ابي الطفيل عن ابى جعفر عليه السلام قال جاء رجل إلى ابى على بن الحسين عليهما السلام فقال ان ابن عباس يزعم انه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت وفي من نزلت فقال ابى عليه السلام سله فيمن نزلت " ومن كان في هذه اعمى فهو في الآخرة اعمى واضلا سبيلا " وفيمن نزلت " لا ينفعكم نصحي ان اردت ان انصح لكم ان كان الله يريد أن يغويكم " وفيمن نزلت " يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا " فاتاه الرجل فسأله، فقال وددت ان الذي امرك بهذا واجهني به فاسأله عن العرش مم خلقه الله ومتى خلق؟ وكم هو وكيف هو؟ فانصرف الرجل إلى ابى فقال ابى فهل اجابك بالآيات؟ فقال لا.
     
    قال ابى: لكن اجيبك فيها بعلم ونور غير مدع ولا منتحل اما قوله: ومن كان في هذه اعمى فهو في الآخرة اعمى واضل سبيلا ففيه نزل وفي ابيه، واما قوله: ولا ينفعكم نصحي ان اردت ان انصح لكم ففي ابيه نزلت واما الاخرى(1) ففي ابيه (ابنه ك) نزلت وفينا، ولم يكن الرباط الذي أمرنا به وسيكون ذلك من نسلنا المرابط ومن نسله المرابط، واما ما سأل عنه من العرش مم خلقه الله.
     
    فان الله خلقه ارباعا،
     
    ___________________________________
     
    (1) اى قوله تعالى: يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا الخ
     
    [24]
     
    لم يخلق قبله إلا ثلاثة اشياء الهواء والقلم والنور، ثم خلقه من ألوان انوار مختلفة، ومن ذلك النور نور اخضر ومنه اخضرت الخضرة ونور اصفر منه اصفرت الصفرة، ونور احمر منه احمرت الحمرة، ونور ابيض وهو نور الانوار، ومنه ضوء النهار ثم جعله سبعين الف طبق غلظ كل طبق لاول (كاول ك) العرش إلى اسفل السافلين وليس من ذلك طبق إلا ويسبح بمد ربه ويقدسه باصوات مختلفة والسنة غير مشتبهة لو اذن للسان واحد فاسمع شيئا مما في تحته لهدم الجبال والمدائن والحصون وكشف البحار ولهلك ما دونه، له ثمانية اركان يحمل كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولو احس حس (ولو احسر - ك) شئ مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين، بينه وبين الاحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة والعلم وليس وراء هذا مقال لقد طمع الحاير في غير مطمع اما ان في صلبه وديعة قد ذرئت لنار جهنم فيخرجون اقواما من دين الله وستصبغ الارض بدماء فراخ من افراخ محمد تنهض تلك الفراخ في غير وقت وتطلب غير مدرك وترابط الذين آمنوا ويصبرون ويصابرون حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
     
    قال ابوعبدالله عليه السلام ايضا: ومن كان في هذه اعمى فهو في الآخرة اعمى واضل سبيلا قال نزلت فيمن يسوف الحج حتى مات ولم يحج فهو اعمى فعمي عن فريضة من فرايض الله قوله (وان كادوا ليفتنونك عن الذي اوحينا اليك لتفتري علينا غيره) قال يعني امير المؤمنين عليه السلام (إذا لاتخذوك خليلا) اي صديقا لو اقمت غيره ثم قال: (ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا اذا لاذقناك ضعف الحيوة وضعف الممات) من يوم الموت إلى ان تقوم الساعة ثم قال: (وان كادوا ليستفزونك من الارض) يعنى اهل مكة (لا يلبثون خلافك إلا قليلا) حتى قتلوا ببدر.
     
    [25]
     
    واما قوله: (اقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) قال: دلوكها زوالها وغسق الليل انتصافه (وقرآن الفجر) صلاة الغداة (ان قرآن الفجر كان مشهودا) (قال: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ثم قال: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) قال: صلاة الليل وقال: سبب النور في القيامة الصلاة في جوف الليل واما قوله: (عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا) فانه حدثنى ابي عن الحسن ابن محبوب عن زراعة (زرعة خ ل) عن سماعة عن ابي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله يوم القيامة فقال: يلجم الناس يوم القيامة العرق(1) فيقولون: انطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا عند ربنا فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم اشفع لنا عند ربك فيقول: إن لي ذنبا وخطيئة فعليكم بنوح فيأتون نوحا فيردهم إلى من يليه ويردهم كل نبي إلى من يليه حتى ينتهوا إلى عيسى فيقول: عليكم بمحمد رسول الله فيعرضون انفسهم عليه ويسألونه، فيقول: انطلقوا فينطلق بهم إلى باب الجنة ويستقبل باب الرحمة ويخر ساجدا فيمكث ما شاء الله فيقول الله ارفع رأسك واشفع تشفع واسأل تعط وذلك هو قوله: " عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا " وحدثني ابي عن محمد بن ابي عمير عن معاوية وهشام عن ابي عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو قد قمت المقام المحمود لشفعت في ابي وامي وعمي واخ كان لي في الجاهلية(2) وقوله: (قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)
     
    ___________________________________
     
    (1) اي يبلغ عرقهم إلى افواههم من شدة الحر او التعب.
     
    (2) قاله لسد ألسنة المعترضين وإلا المستفاد من الادلة هو إيمان ابيه وامه وعمه وهو ابوطالب كأنه جواب تنزيلي يعني إذا بلغت مقاما محمودا وشفعت عدد الرمل والحصى كيف لا أشفع في ابي وامي وعمي الذين احسنوا إلي.ج ز.
     
    [26]
     
    اي معينا (وقل رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) فانها نزلت يوم فتح مكة لما اراد رسول الله صلى الل عليه وآله دخولها انزل الله قل يا محمد ادخلني مدخل صدق الآية وقوله: سلطانا نصيرا اي معينا (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) فارتجت مكة من قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله: جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا.
     
    وقوله: (قل كل يعمل على شاكلته) قال: على نيته (فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) فانه حدثنى ابي عن جعفر بن ابراهيم عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة اوقف المؤمن بين يديه فيكون هو الذي يتولى حسابه فيعرض عليه عمله فينظر في صحيفته، فأول ما يرى سيئاته فيتغير لذلك لونه وترتعش فرائصه وتفزع نفسه، ثم يرى حسناته فتقر عينه وتسر نفسه وتفرح روحه، ثم ينظر إلى ما أعطاه الله من الثواب فيشتد فرحه ثم يقول الله للملائكة هلموا الصحف التي فيها الاعمال التي لم يعملوها، قال: فيقرؤنها ثم يقولون وعزتك انك لتعلم أنا لم نعمل منها شيئا، فيقول: صدقتم نويتموها فكتبناها لكم ثم يثابون عليها واما قوله: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال: هو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل وكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة وفي خبر آخر هو من الملكوت واما قوله: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا) فانها نزلت في عبدالله بن ابي امية اخي ام سلمة رحمة الله عليها وذلك انا قال هذا لرسول الله بمكة قبل الهجرة، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فتح مكة استقبله عبدالله بن ابي امية فسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يرد عليه السلام فأعرض عنه ولم يجبه بشئ وكانت اخته ام سلمة مع رسول الله صلى الله عليه وآله فدخل اليها فقال: يا اختي ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد قبل إسلام الناس كلهم ورد
     
    [27]
     
    علي إسلامي وليس يقبلني كما قبل غيري فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ام سلمة قالت بأبي انت وامي يا رسول الله صلى الله عليه وآله سعد بك جميع الناس إلا اخي من بين قريش والعرب رددت إسلامه وقبلت اسلام الناس كلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا ام سلمة ان اخاك كذبني تكذيبا لم يكذبني احد من الناس هو الذي قال لي: (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا) او تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا او تأتي بالله والملائكة قبيلا او يكون لك بيت من زخرف او ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه) قالت ام سلمة بأبي انت وامي يا رسول الله الم تقل ان الاسلام يجب ما كان قبله؟ قال: نعم فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله إسلامه وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله: حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا يعني عينا او تكون لك جنة يعني بستانا من نخيل وعنب فتفجر الارض خلالها تفجيرا من تلك العيون او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنه يسقط من السماء كسفا لقوله: وان يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم وقوله: او تأتي بالله والملائكة قبيلا والقبيل اي الكثير " او يكون لك بيت من زخرف " اي المزخرف بالذهب " او ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه " يقول من الله إلى عبدالله بن ابي امية ان محمدا صادق واني أنا بعثته ويجئ معه أربعة من الملائكة يشهدون ان الله هو كتبه فأنزل الله عزوجل قل " سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ".
     
    وقوله: (قل لو كان في الارض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) فانه حدثني ابي عن احمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن ابي جعفر عليه السلام قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس وعنده جبرئيل إذ حانت
     
    [28]
     
    من جبرئيل عليه السلام نظرة قبل السماء فامتقع لونه حتى صار كأنه كركمة(1) ثم لاذ برسول الله صلى الله عليه وآله، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حيث نظر جبرئيل فاذا شئ قد ملا ما بين الخافقين مقبلا حتى كان كقاب من الارض(2) ثم قال: يا محمد إني رسول الله اليك أخبرك ان تكون ملكا رسولا أحب اليك او تكون عبدا رسولا فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جبرئيل وقد رجع اليه لونه، فقال جبرئيل: بل كن عبدا رسولا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بل اكون عبدا رسولا فرفع الملك رجله اليمنى فوضعها في كبد السماء الدنيا ثم رفع الاخري فوضعها في الثانية ثم رفع اليمنى فوضعها في الثالثة ثم هكذا حتى انتهى إلى السماء السابعة كل سماء خطوة وكلما ارتفع صغر حتى صار آخر ذلك مثل الذر - الصر (ك) فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جبرئيل فقال: لقد رأيتك ذعرا وما رأيت شيئا كان اذعر لي من تغير لونك، فقال: يا نبي الله لا تلمني أتدري من هذا؟ قال: لا، قال: هذا اسرافيل حاجب الرب ولم ينزل من مكانه منذ خلق الله السماوات والارض، فلما رأيته منحطا ظننت انه جاء بقيام الساعة، فكان الذي رأيت من تغير لوني لذلك، فلما رأيت ما اصطفاك الله به رجع إلي لوني ونفسي أما رأيته كلما ارتفع صغر انه ليس شئ يدنو من الرب إلا صغر لعظمته ان هذا حاجب الرب وأقرب خلق الله منه واللوح بين عينيه من يلقوتة حمراء فاذا تكلم الرب تبارك وتعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه فنظر فيه ثم يلقيه الينا فنسعى به في السماوات والارض انه لادنى خلق الرحمن منه وبينه وبينه سبعون حجابا من نور تقطع دونها الابصار ما لا يعد ولا يوصف واني لاقرب الخلق منه وبيني وبينه مسيرة الف عام وقوله: (وما منع الناس ان يؤمنوا إذ جاء‌هم الهدى إلا ان قالوا أبعث الله بشرا رسولا) قال
     
    ___________________________________
     
    (1) كركم: العلك ق م.
     
    (2) أي مقدار نصف القوس.ج.ز.
     
    [29]
     
    قال الكفار: لم لم يبعث الله الينا الملائكة؟ فقال الله عزوجل: (ولو بعثنا اليهم ملكا لما آمنوا ولهلكوا ولو كانت الملائكة في الارض يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) وقوله: (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) قال: على جباههم (مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا) اي كلما انطفت فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن سيف بن عميرة يرفعه إلى علي بن الحسين عليهما السلام قال: إن في جهنم واديا يقال له سعير إذا خبت جهنم فتح سعيرها وهو قوله: كلما خبت زدناهم سعيرا اي كلما انطفت وقوله: (قل لو انتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لامسكتم خشية الانفاق وكان الانسان قتورا) قال: لو كانت الاموال بيد الناس لما أعطوا الناس شيئا مخافة النفاد (وكان الانسان قتورا) اي بخيلا واما قوله: (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات) فقال: الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والعصا ويده والبحر وقوله يحكى قول موسى (واني لاظنك يا فرعون مثبورا) اي هالكا تدعو بالثبور وفي رواية ابي الجارود في قوله: (فأراد ان يستفزهم من الارض) اي اراد ان يخرجهم من الارض وقد علم فرعون وقومه ما أنزل تلك الآيات إلا الله واما قوله: (فاذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) يقول جميعا وفي رواية علي بن ابراهيم (فأراد) يعني فرعون (ان يستفزهم من الارض) أي يخرجهم من مصر (فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الارض فاذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) أي من كل ناحية وقوله: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث) اي على مهل (ونزلناه تنزيلا) ثم قال: يا محمد (قل آمنوا به اولا تؤمنوا ان الذين اوتوا العلم من قبله) يعني من أهل الكتاب الذين آمنوا برسول الله (إذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا) قال: الوجه (ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا)
     
    [30]
     
    وهم قوم من أهل الكتاب آمنوا بالله، وحدثني ابي عن الصباح عن إسحاق بن عمار عن ابي عبدالله عليه السلام في قوله: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) قال: الجهر بها رفع الصوت والتخافت ما لم تسمع باذنك واقرأ ما بين ذلك وحدثنى ابي عن الصباح عن اسحاق بن عمار عن ابي عبدالله عليه السلام في قوله: " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " قال: رفع الصوت عاليا ومخافته ما لم تسمع نفسك، قال قلت له: رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع ان يسجد عليها قال: يسجد ما بين طرف شعره فان لم يقدر سجد على حاجبه الايمن فان لم يقدر فعلى حاجبه الايسر فان لم يقدر فعلى ذقنه قلت: على ذقنه قال: نعم أما تقرأ كتاب الله عزوجل " يخرون للاذقان سجدا " وروي ايضا عن ابي جعفر الباقر عليه السلام في قوله: " ولا تج‍؟ ر بصلاتك ولا تخافت بها " قال: الاجهار ان ترفع صوتك تسمعه من بعد عنك والاخفات ان لا تسمع من معك إلا يسيرا ثم قال: (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا) قال: لم يذل فيحتاج إلى ولي فينصره.