مكية آياتها ست واربعون
(بسم الله الرحمن الرحيم والنازعات غرقا) قال: نزع الروح (والناشطات نشطا) قال: الكفار ينشطون في الدنيا(1) (والسابحات سبحا) قال المؤمنون
___________________________________
(1) مبنيا للمفعول من النشط وهو الازهاق يعني الملائكة التي تزهق ارواح الكفار في الدنيا عند موتهم ج ز
[403]
الذين يسبحون الله، وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر (ع) في قوله: (فالسابقات سبقا) يعنى ارواح المؤمنين تسبق ارواحهم إلى الجنة بمثل الدنيا وارواح الكافرين إلى النار بمثل ذلك، وقال علي بن ابراهيم في قوله (يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة) قال تنشق الارض بأهلها والرادفة الصيحة (قلوب يومئذ واجفة) اي خائفة (أبصارها خاشعة يقولون ءإنا لمردودون في الحافرة) قال قالت قريش أنرجع بعد الموت (ءإذا كنا عظاما نخرة) اي بالية (تلك اذا كرة خاسرة) قال قالوا هذا على حد الاستهزاء قال الله (فانما هي زجرة واحدة فاذا هم بالساهرة) قال الزجرة النفخة الثانية في الصور والساهرة موضع بالشام عند بيت المقدس، وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر (ع) في قوله: ءإنا لمردودون في الحافرة، يقول في الخلق الجديد واما قوله: فاذا هم بالساهرة، والساهرة الارض كانوا في القبور فلما سمعوا الزجرة خرجوا من قبورهم فاستووا على الارض قوله (بالواد المقدس) اي المطهر واما (طوى) فاسم الوادي.
وقال علي بن ابراهيم في قوله (فحشر) يعنى فرعون (فنادى فقال أنا ربكم الاعلى فأخذه الله نكال الآخرة والاولى) والنكال العقوبة، والآخرة هو قوله: أنا ربكم الاعلى والاولى قوله ما علمت لكم من إله غيري، فأهلكه الله بهذين القولين قوله (واغطش ليلها) اي اظلم قال الاعشى: وبهماء بالليل غطش الغداة(1) * مؤنسي فنون فناداها(2) قوله: (واخرج ضحاها) اي الشمس قوله (والارض بعد ذلك دحاها) اي بسطها (والجبال ارساها) اي اثبتها قوله (يوم يتذكر الانسان ما سعى) قال يذكر ما عمله كله (وبرزت الجحيم لمن يرى) قال: احضرت قوله (واما من
___________________________________
(1) الفلاة ط.
(2) يؤنسنى صوت فناداها (ط) ج ز
[404]
خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى) قال: هوى العبد اذا وقف على معصية الله وقدر عليها ثم تركها مخافة الله ونهى النفس عنها فمكافاته الجنة قوله (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) قال: متى تقوم قال الله: (إلى ربك منتهاها) اي علمها عند الله قوله: (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية او ضحاها) قال: بعض يوم.
سورة عبس مكية (بسم الله الرحمن الرحيم عبس وتولى أن جاءه الاعمى) قال: نزلت في عثكن(1) وابن أم مكتوم وكان ابن أم مكتوم مؤذنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وكان
___________________________________
(1) قال فخر الدين الرازي: اجمع المفسرون على ان الذي عبس وتولى هو الرسول صلى الله عليه وآله، وذكر في الدر المنثور: عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله في مجلس في ناس من وجوه قريش منهم ابوجهل بن هشام وعتبة بن ربيعة فيقول لهم: أليس حسنا إن جئت بكذا وكذا؟ فيقولون: بلى والله فجاء ابن مكتوم وهو مشتغل بهم فسأله فاعرض عنه فانزل الله: أما من استغنى فانت له تصدى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فانت عنه تلهى قال شيخنا الطوسي في التبيان: وهذا فاسد، لان النبي صلى الله عليه وآله قد أجل الله قدره عن هذه الصفات، وكيف يصفه بالعبوس والتقطيب وقد وصفه بانه " على خلق عظيم " وقال " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " وكيف يعرض عمن تقدم وصفه مع قوله تعالى " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " ومن عرف النبي صلى الله عليه وآله وحسن اخلاقه وما خصه الله تعالى به من مكارم الاخلاق وحسن الصحبة حتى قيل انه لم يصافح أحدا قط فينزع يده من يده حتى يكون ذلك الذي ينزع يده من يده.
فمن هذه صفته كيف يقطب في وجه اعمى جاء يطلب السلام، على ان الانبياء منزهون عن مثل هذه الاخلاق لما في ذلك من التنفير عن قبول قولهم، وقال قوم: إن هذه الآيات نزلت في الرجل من بنى امية كان واقفا مع النبي صلى الله عليه وآله فلما اقبل ابن مكتوم تنفر منه، وجمع نفسه وعبس في وجهه فحكى الله تعالى ذلك وانكره معاتبة على ذلك.ج.ز.
[405]
اعمى، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده اصحابه وعثكن عنده، فقدمه رسول الله صلى الله عليه وآله عليه فعبس وجهه وتولى عنه فانزل الله عبس وتولى يعني عثكن ان جاءه الاعمى (وما يدريك لعله يزكى) أي يكون طاهرا ازكى (او يذكر) قال يذكره رسول الله صلى الله عليه وآله ثم خاطب عثكن فقال: (أما من استغنى فأنت له تصدى) قال انت إذا جاءك غني تتصدى له وترفعه (وما عليك ألا يزكى) أي لا تبالي زكيا كان او غير زكي إذا كان غنيا (وأما من جاءك يسعى) يعنى ابن ام مكتوم (وهو يخشى فأنت عنه تلهى) أي تلهو ولا تلتفت اليه قوله (كلا انها تذكرة) قال القرآن (في صحف مكرمة مرفوعة) قال: عند الله (مطهرة بأيدي سفرة) قال بأيدي الائمة (كرام بررة قتل الانسان ما اكفره) قال هو امير المؤمنين قال ما اكفره اي ماذا فعل فأذنب حتى قتلوه ثم قال: (من أي شئ خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره) قال: يسر له طريق الخير (ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره) قال: في الرجعة (كلا لما يقض ما أمره) أي لم يقض علي امير المؤمنين عليه السلام ما قد أمره وسيرجع حتى يقضي ما أمره.
أخبرنا احمد بن إدريس عن احمد بن محمد عن ابن ابي نصر (ابى بصير ط) عن جميل بن
[406]
دراج عن ابي اسامة عن ابي جعفر عليه السلام قال سألته عن قول الله " قتل الانسان ما اكفره " قال: نعم نزلت في امير المؤمنين عليه السلام، ما اكفره، يعنى بقتلكم إياه ثم نسب امير المؤمنين عليه السلام فنسب خلقه وما اكرمه الله به فقال: (من أي شئ خلقه) يقول من طينة الانبياء خلقه (فقدره) للخير (ثم السبيل يسره) يعنى سبيل الهدى (ثم أماته) ميتة الانبياء (ثم إذا شاء أنشره) قلت قوله: ثم إذا شاء أنشره قال: يمكث بعد قتله في الرجعة فيقضي ما امره (فلينظر الانسان إلى طعامه إنا صببنا الماء صبا - إلى قوله - وقضبا) قال: القضب القت(1) (وحدائق غلبا) اي بساتين ملتفة مجتمعة (وفاكهة وأبا) قال الاب الحشيش للبهائم قوله (متاعا لكم ولانعامكم فاذا جاءت الصاخة) أي القيامة قوله (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) قال: شغل يشتغل به عن غيره.
ثم ذكر عزوجل الذين تولوا امير المؤمنين عليه السلام وتبرأوا من اعدائه فقال (وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة) ثم ذكر اعداء آل محمد (ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة) أي فقر من الخير والثواب (اولئك هم الكفرة الفجرة) حدثنا سعيد بن محمد قال حدثنا بكر بن سهل قال حدثنى عبد الغنى بن سعيد قال حدثنا موسى بن عبدالرحمن عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس في قوله (متاعا لكم ولانعامكم) يريد منافع لكم ولانعامكم قوله (وجوه يومئذ عليها غبرة) يريد " مسودة " (ترهقها قترة) يريد قتار(2) جهنم (اولئك هم الكفرة الفجرة) أي الكافر الجاحد.
___________________________________
(1) القت بفتح القاف وهو الرطب من علف الدواب.
مجمع(2) القتار كالبخار لفظا ومعنى.ج.ز.