مكية آياتها اثنتان وخمسون
(بسم الله الرحمن الرحيم ن والقلم وما يسطرون ما انت بنعمة ربك بمجنون) قال فحدثني ابي عن ابن ابي عمير عن عبدالرحمن (عبدالرحيم ط) القصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال سألته عن ن والقلم، قال: إن الله خلق القلم من شجرة في الجنة يقال لها الخلد ثم قال لنهر في الجنة كن مدادا فجمد النهر وكان أشد بياضا من الثلج وأحلى من الشهد ثم قال للقلم اكتب قال وما اكتب يا رب قال اكتب ما كان وما هو كأين إلى يوم القيامة، فكتب القلم في رق أشد بياضا من الفضة وأصفى من الياقوت ثم
[380]
طواه فجعله في ركن العرش ثم ختم على فم القلم فلم ينطق بعد ولا ينطق ابدا، فهو الكتاب المكنون الذي منه النسخ كلها، أو لستم عربا فكيف لا تعرفون معنى الكلام، وأحدكم يقول لصاحبه انسخ ذلك الكتاب أو ليس إنما ينسخ من كتاب اخذ من الاصل وهو قوله: إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون قوله (وما يسطرون) أي ما يكتبون وهو قسم وجوابه (ما انت بنعمة ربك بمجنون) قوله (ان لك لاجرا غير ممنون) أي لا نمن عليك فيما نعطيك من عظيم الثواب قوله (فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون) بأيكم تفتنون هكذا نزلت في بني امية بأيكم أي حبتر وزفر وعلي.
وقال الصادق عليه السلام: لقي فلان امير المؤمنين (ع) فقال يا علي بلغني انك تتأول هذه الآية في وفي صاحبي " فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون " قال: امير المؤمنين (ع) أفلا اخبرك يا ابا فلان ! ما نزل في بني امية " والشجرة الملعونة في القرآن " قال: كذبت يا علي ! بنو امية خير منك وأوصل للرحم وقوله: (فلا تطع المكذبين) قال في علي (ع) (ودوالو تدهن فيدهنون) أي احبوا ان تغش في علي فيغشون معك (ولا تطع كل حلاف مهين) قال الحلاف فلان حلف لرسول الله صلى الله عليه وآله انه لا ينكث عهدا (هماز مشاء بنميم) قال كان ينم على رسول الله صلى الله عليه وآله وينم بين اصحابه قوله (مناع للخير معتد أثيم) قال: الخير امير المؤمنين (ع)، معتد أي اعتدى عليه وقوله (عتل بعد ذلك زنيم) قال: العتل عظيم الكفر والزنيم الدعي وقال الشاعر: زنيم تداعاه الرجال تداعيا * كما زيد في عرض الاديم الاكارع(1)
___________________________________
(1) الاديم الارض، اكارع: جمع كرع وهو الماء الذي يكرع فيه الدواب ج.ز
[381]
قوله: (وإذا تتلى عليه آياتنا) قال: كنى عن فلان (قال اساطير الاولين) أي اكاذيب الاولين (سنسمه على الخرطوم) قال في الرجعة إذا رجع امير المؤمنين عليه السلام ورجع اعداؤه فيسمهم بميسم معه كما توسم البهائم على الخرطوم والانف والشفتين قوله (إنا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة إذ أقسموا) أي حلفوا (ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون) فانه كان سببها ما حدثني ابي عن اسحاق بن الهيثم عن علي بن الحسين العبدي عن سليمان الاعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس انه قيل له ان قوما من هذه الامة يزعمون ان العبد قد يذنب فيحرم به الرزق، فقال ابن عباس: فو الذي لا إله غيره لهذا انور في كتاب الله من الشمس الضاحية ذكره الله في سورة ن والقلم، انه كان شيخ كانت له جنة وكان لا يدخل بيته ثمرة منها ولا إلى منزله حتى يعطي كل ذي حق حقه، فلما قبض الشيخ وورثه بنوه وكان له خمسة من البنين فحملت جنتهم في تلك السنة التي هلك فيها ابوهم حملا لم يكن حملته قبل ذلك فراحوا الفتية إلى جنتهم بعد صلاة العصر، فاشرفوا على ثمرة ورزق فاضل لم يعاينوا مثله في حياة ابيهم فلما نظروا إلى الفضل طغوا وبغوا وقال بعضهم لبعض ان ابانا كان شيخا كبيرا قد ذهب عقله وخرف فهلموا نتعاهد ونتعاقد فيما بيننا ان لا نعطي احدا من فقراء المسلمين في عامنا هذا شيئا حتى نستغني وتكثر اموالنا ثم نستأنف الصنعة فيما يستقبل من السنين المقبلة، فرضي بذلك منهم اربعة وسخط الخامس وهو الذي قال الله تعالى: " قال اوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون ".
فقال الرجل: يا بن عباس كان اوسطهم في السن؟ فقال: لا بل كان اصغر القوم سنا وكان اكبرهم عقلا واوسط القوم خير القوم، والدليل عليه في القرآن انكم يا امة محمد اصغر الامم وخير الامم قال الله: " وكذلك جعلناكم امة وسطا " فقال لهم اوسطهم اتقوا الله وكونوا على منهاج ابيكم تسلموا وتغنموا، فبطشوا
[382]
به فضربوه ضربا مبرحا فلما ايقن الاخ انهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارها لامرهم غير طائع فراحوا إلى منازلهم ثم حلفوا بالله ان يصرموه إذا اصبحوا ولو يقولوا إن شاء الله، فابتلاهم الله بذلك الذنب وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي كانوا اشرفوا عليه فاخبر عنهم في الكتاب فقال: (إنا بلوناهم - إلى قوله - فأصبحت كالصريم) قال كالمحترق، فقال الرجل: يا بن عباس ما الصريم؟ قال: الليل المظلم ثم قال: لا ضوء له ولا نور فلما اصبح القوم (تنادوا مصبحين ان اغدوا على حرثكم ان كنتم صارمين) قال: (فانطلقوا وهم يتخافتون) قال الرجل وما التخافت يا بن عباس؟ قال: يتسارون بعضهم بعضا لكي لا يسمع احد غيرهم فقالوا (لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا عى حرد قادرين) وفي انفسهم ان يصرموها ولا يعلمون ما قد حل بهم من سطوات الله ونقمته (فلما رأوها) وعاينوا ما قد حل بهم (قالواءإنا لضالون بل نحن محرومون) فحرمهم الله ذلك الرزق بذنب كان منهم ولم يظلمهم شيئا فقال اوسطهم: (ألم أقل لكم لولا تسبحون قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون) قال: يلومون انفسهم فيما عزموا عليه (قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين عسى ربنا ان يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون) فقال الله: (كذلك العذاب ولعذاب الآخرة اكبر لو كانوا يعلمون) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله (وانك لعلى خلق عظيم) يقول على دين عظيم (إنا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة) ان اهل مكة ابتلوا بالجوع كما ابتلى اصحاب الجنة وهي الجنة التي كانت في الدنيا وكانت في اليمن يقال لها الرضوان على تسعة اميال من صنعاء قوله: (فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون) وهو العذاب قوله: (إنا لضالون) قال: اخطأوا الطريق قوله: (لولا تسبحون) يقول لولا تستغفرون.
وقال علي بن ابراهيم في قوله (سلهم أيهم بذلك زعيم) أي كفيل قوله
[383]
(يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود) قال: يوم يكشف عن الامور التي خفيت وما غصبوا آل محمد حقهم ويدعون إلى السجود قال يكشف لامير المؤمنين (ع) فتصير اعناقهم مثل صياصي البقر يعني قرونه (فلا يستطيعون) ان يسجدوا وهي عقوبة لانهم لم يطيعوا الله في الدنيا في امره وهو قوله: وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون قال إلى ولايته في الدنيا وهم يستطيعون قوله (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) قال تجديدا لهم عند المعاصي ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت) يعني يونس (ع) لما دعا على قومه ثم ذهب مغاضبا لله وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله: (إذ نادى وهو مكظوم) أي مغموم وقال علي بن ابراهيم في قوله (لولا ان تداركه نعمة من ربه) قال: النعمة الرحمة (لنبذ بالعراء) قال: العراء الموضع الذي لا سقف له قوله (وان يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر) قال: لما اخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بفضل امير المؤمنين (ع) قالوا هو مجنون فقال الله سبحانه (وما هو) يعني امير المؤمنين (ع) (إلا ذكر للعالمين).